الصِّيامُ) أي : وأن تصوموا ذلك المكتوب خير لكم ، والظاهر الأول ، وفيه حض على الصوم.
(إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) من ذوي العلم والتمييز ، ويجوز أن يحذف اختصارا لدلالة الكلام عليه أي : ما شرعته وبينته لكم من أمر دينكم ، أو فضل أعمالكم وثوابها ، أو كنى بالعلم عن الخشية أي : تخشون الله ، لأن العلم يقتضي خشيته (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (١).
(شَهْرُ رَمَضانَ) قرأ الجمهور برفع شهر ، وقرأه بالنصب مجاهد ، وشهر : دين حوشب وهارون الأعور : عن أبي عمرو ، وأبو عمارة : عن حفص عن عاصم. وإعراب شهر يتبين على المراد بقوله : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) فإن كان المراد بها غير أيام رمضان فيكون رفع شهر على أنه مبتدأ ، وخبره قوله : (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) ويكون ذكر هذه الجملة تقدمة لفرضية صومه بذكر فضيلته والتنبيه على أن هذا الشهر هو الذي أنزل فيه القرآن هو الذي يفرض عليكم صومه ، وجوزوا أن يكون : الذي أنزل ، صفة. إما للشهر فيكون مرفوعا ، وإما لرمضان فيكون مجرورا.
وخبر المبتدأ والجملة بعد الصفة من قوله : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) وتكون الفاء في : فمن ، زائدة على مذهب أبي الحسن ، ولا تكون هي الداخلة في خبر المبتدأ إذا كان منها للشرط ، لأن شهر رمضان لا يشبه الشرط ، قالوا : ويجوز أن لا تكون الفاء زائدة ، بل دخلت هنا كما دخلت في خبر الذي ، ومثله : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) (٢) وهذا الذي قالوه ليس بشيء ، لأن الذي ، صفة لعلم ، أو لمضاف لعلم ، فليس يتخيل فيه شيء ما من العموم ، ولمعنى الفعل الذي هو (أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) لفظا ومعنى ، فليس كقوله : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) لأن الموت هنا ليس معينا ، بل فيه عموم. وصلة الذي مستقبلة ، وهي : تفرون ، وعلى القول ، بأن الجملة من قوله (فَمَنْ شَهِدَ) هي الخبر ، يكون العائد على المبتدأ تكرار المبتدأ بلفظه ، أي : فمن شهده منكم فليصمه ، فأقام لفظ المبتدأ مقام الضمير ، وحصل به الربط كما في قوله :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء
__________________
(١) سورة فاطر : ٣٥ / ٢٨.
(٢) سورة الجمعة : ٦ / ٨.