فسدت أن مسد المفعول ، أو التعدية التي هي لها في الأصل ، فسدّت مسدّ المفعولين ، على مذهب سيبويه ، وقد تقدم لنا نظير هذا. وتختانون : هو من الخيانة ، وافتعل هنا بمعنى فعل ، فاختان : بمعنى : خان ، كاقتدر بمعنى : قدر.
قيل وزيادة الحرف تدل على الزيادة في المعنى ، والاختيان هنا معبر به عما وقعوا فيه من المعصية بالجماع ، وبالأكل بعد النوم ، وكان ذلك خيانة لأنفسهم ، لأن وبال المعصية عائد على أنفسهم ، فكأنه قيل : تظلمون أنفسكم وتنقصون حقها من الخير ، وقيل : معناه ، تستأثرون أنفسكم فيما نهيتم عنه ، وقيل : معناه : تتعهدون أنفسكم بإتيان نسائكم.
يقال : تخوّن ، وتخوّل ، بمعنى : تعهد ، فتكون النون بدلا من اللام لأنه باللام أشهر. وقال أبو مسلم : هي عبارة عن عدم الوفاء بما يجب عليه من حق النفس ، ولذلك قال : أنفسكم ، ولم يقل : الله ، وظاهر الكلام وقوع الخيانة منهم لدلالة كان على ذلك ، وللنقل الصحيح في حديث الجماع وغيره ، وقيل : ذلك على تقدير ولم يقع بعد ، والمعنى : تختانون أنفسكم لو دامت تلك الحرمة ، وهذا فيه ضعف لوجود : كان ، ولأنه إضمار لا يدل عليه دليل ، ولمنافاة ظاهر قوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ).
(فَتابَ عَلَيْكُمْ) أي : قبل توبتكم حين تبتم مما ارتكبتم من المحظور ، وقيل : معناه خفف عنكم بالرخصة والإباحة كقوله : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ) (١) (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ) (٢) (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) (٣) معناه كله التخفيف ، وقيل : معناه أسقط عنكم ما افترضه من تحريم الأكل والشرب والجماع بعد العشاء ، أو بعد النوم على الخلاف ، وهذا القول راجع لمعنى القول الثاني : (وَعَفا عَنْكُمْ) أي : عن ذنوبكم فلا يؤاخذكم ، وقبول التوبة هو رفع الذنب كما قال صلىاللهعليهوسلم : «التوبة تمحو الحوبة والعفو تعفية أثر الذنب» فهما راجعان إلى معنى واحد ، وعاقب بينهما للمبالغة ، وقيل : المعنى سهل عليكم أمر النساء فيما يؤتنف ، أي : ترك لكم التحريم ، كما تقول : هذا شيء معفو عنه ، أي : متروك ، ويقال : أعطاه عفوا أي سهلا لم يكلفه إلى سؤال ، وجرى الفرس شأوين عفوا ، أي : من ذاته من غير إزعاج واستدعاء بضرب بسوط ، أو نخس بمهماز.
__________________
(١) سورة المزمل : ٧٣ / ٢٠.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٩٢.
(٣) سورة التوبة : ٩ / ١٨٧.