وسبب النزول أن المباشرة هي الجماع فقط ، وقال بذلك فرقة ، فالمنهي عنه الجماع ، وقال الجمهور : يقع هنا على الجماع وما يتلذذ به ، وانعقد الإجماع على أن هذا النهي نهي تحريم ، وأن الاعتكاف يبطل بالجماع. وأما دواعي النكاح : كالنظرة واللمس والقبلة بشهوة فيفسد به الاعتكاف عند مالك ، وقال أبو حنيفة : إن فعل فأنزل فسد ، وقال المزني عن الشافعي : إن فعل فسد ، وقال الشافعي ، أيضا : لا يفسد من الوطء إلّا بما مثله من الأجنبية يوجب ، وصح في الحديث أن عائشة كانت ترجل رأس رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو معتكف في المسجد ، ولا شك أنها كانت تمسه. قالوا : فدل على أن اللمس بغير شهوة غير محظور ، وإذا كانت المباشرة معنيا بها اللمس ، وكان قد نهي عنه فالجماع أجرى وأولى ، لأن فيه اللمس وزيادة ، وكانت المباشرة المعني بها اللمس مقيدة بالشهوة.
والعكوف في الشرع عبارة عن حبس النفس في مكان للعبادة والتقرب إلى الله ، وهو من الشرائع القديمة.
وقرأ قتادة : وأنتم عكفون ، بغير ألف ، والجملة في موضع الحال أي : لا تباشروهن في هذه الحالة ، وظاهر الآية يقتضي جواز الاعتكاف ، والإجماع على أنه ليس بواجب ، وثبت أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم اعتكف ، فهو سنة ، ولم تتعرض الآية لمطلوبيته ، فنذكر شرائطه ، وشرطه الصوم ، وهو مروي عن علي ، وابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة ، وبه قال أبو حنيفة ، وأصحابه ، ومالك ، والثوري والحسن بن صالح ؛ وروي عن عائشة أن الصوم من سنة المعتكف. وقال جماعة من التابعين ، منهم سعيد ، وإبراهيم : ليس الصوم شرطا. وروى طاووس عن ابن عباس مثله ، وبه قال الشافعي.
وظاهر الآية أنه لا يشترط تحديد في الزمان ، بل كل ما يسمى لبثا في زمن ما ، يسمى عكوفا. وهو مذهب الشافعي. وقال مالك : لا يعتكف أقل من عشرة أيام ، هذا مشهور مذهبه ، وروي عنه : أن أقلّه يوم وليلة.
وظاهر إطلاق العكوف أيضا يقتضي جواز اعتكاف الليل والنهار ، وأحدهما ، فعلى هذا ، لو نذر اعتكاف ليلة فقط صحّ ، أو يوم فقط صحّ ، وهو مذهب الشافعي. وقال سحنون : لو نذر اعتكاف ليلة لم يلزمه. وقال أبو حنيفة : لو نذر اعتكاف أيام لزمته بلياليها.
وفي الخروج من المعتكف ، والاشتغال فيه بغير العبادة المقصودة ، والدخول إليه ، وفي مبطلاته أحكام كثيرة ذكرت في كتب الفقه.