عَلَيَ) (١) أي لا سبيل عليّ ، وهو مجاز عن التسليط والتعرض ، وهو راجع لمعنى جزاء الظالم الذي شرحنا به العدوان.
ورابط الجزاء بالشرط إما بتقدير حذف أي : إلّا على الظالمين منهم ، أو بالاندراج في عموم الظالمين ، فكان الربط بالعموم.
(الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، ومقسم ، والسدي ، والربيع ، والضحاك ، وغيرهم : نزلت في عمرة القضاء عام الحديبية ، وكان المشركون قاتلوهم ذلك العام في الشهر الحرام ، وهو ذو القعدة ، فقيل لهم عند خروجهم لعمرة القضاء وكراهتهم القتال ، وذلك في ذي القعدة : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) أي : هتكه بهتكه ، تهتكون حرمته عليهم كما هتكوا حرمته عليكم.
وقال الحسن : سأل الكفار رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل تقاتل في الشهر الحرام؟ فأخبرهم أنه لا يقاتل فيه ، فهموا بالهجوم عليه وقتل من معه حين طمعوا أنه لا يقاتل ، فنزلت.
والشهر ، مبتدأ وخبره الجار والمجرور بعده ، ولا يصح من حيث اللفظ أن يكون خبرا ، فلا بد من حذف التقدير : انتهاك حرمة الشهر الحرام ، كائن بانتهاك حرمة الشهر الحرام ؛ والألف واللام في الشهر ، في اللفظ هي للعهد ، فالشهر الأول هو ذو القعدة من سنة سبع في عمرة القضاء ، والشهر الثاني هو من سنة ست عام الحديبية (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) والالف واللام للعهد في الحرمات ، أي : حرمة الشهر وحرمة المحرمين حين صددتم بحرمة البلد ، والشهر ، والقطان ، حين دخلتم. وهذا التفسير على السبب المنقول عن ابن عباس ومن معه ، وأما على السبب المنقول عن الحسن فتكون الألف واللام للعموم في النفس والمال والعرض ، أي : وكل حرمة يجري فيها القصاص ، فيدخل في ذلك تلك الحرمات السابقة وغيرها ، وقيل : (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) جملة مقطوعة مما قبلها ليست في أمر الحج والعمرة ، بل هو ابتداء أمر كان في أول الإسلام ، أي : من انتهك حرمتك نلت منه مثل ما اعتدى عليك به ، ثم نسخ ذلك بالقتال.
وقالت طائفة : ما كان من تعدّ في مال أو جرح لم ينسخ ، وله أن يتعدى عليه من ذلك بمثل ما تعدى عليه ، ويخفي ذلك إذا أمكنه دون الحاكم ولا يأثم بذلك ، وبه قال الشافعي ، وهي رواية في مذهب مالك.
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٢٨.