وقال الرماني ، إنما استعمل لفظ العدوان في الجزاء من غير مزاوجة اللفظ ، لأن مزاوجة اللفظ مزاوجة المعنى ، كأنه يقول : انتهوا عن العدوان فلا عدوان إلّا على الظالمين انتهى كلامه.
وهذا النفي العام يراد به النهي ، أي : فلا تعتدوا ، وذلك على سبيل المبالغة إذا أرادوا المبالغة في ترك الشيء عدلوا فيه عن النهي إلى النفي المحض العام ، وصار ألزم في المنع ، إذ صار من الأشياء التي لا تقع أصلا ، ولا يصح حمل ذلك على النفي الصحيح أصلا لوجود العدوان على غير الظالم. فكأنه يكون إخبارا غير مطابق ، وهو لا يجوز على الله تعالى.
وفسر الظالمون هنا بمن بدأ بالقتال ، وقيل : من بقي على كفر وفتنة ، قال عكرمة ، وقتادة : الظالم هنا من أبى أن يقول لا إله إلّا الله.
وقال الأخفش المعنى : فإن انتهى بعضهم فلا عدوان إلّا على من لم ينته ، وهو الظالم.
قال الزمخشري : فلا تعتدوا على المنتهين لأن مقاتلة المنتهين عدوان وظلم ، فوضع قوله : إلّا على الظالمين ، موضع : على المنتهين انتهى كلامه. وهذا الذي قاله لا يصح إلّا على تفسير المعنى ، وأما على تفسير الإعراب فلا يصح ، لأن : على المنتهين ، ليس مرادفا لقوله : إلّا على الظالمين ، لأن نفي العدوان عن المنتهين لا يدل على إثباته على الظالمين إلّا بالمفهوم مفهوم الصفة. وفي التركيب القرآني يدل على إثباته على الظالمين بالمنطوق المحصور بالنفي وإلّا ، وفرق بين الدلالتين ، ويظهر من كلامه أنه أراد تفسير الإعراب.
ألا ترى قوله : فوضع قوله : إلّا على الظالمين ، موضع : على المنتهين؟ وهذا الوضع إنما يكون في تفسير الإعراب ، وليس كذلك لما بيناه من الفرق بين الدلالتين ، ألا ترى فرق ما بين قولك : ما أكرم الجاهل! وما أكرم إلّا العالم؟ وإلّا على الظالمين ، استثناء مفرغ من الاخبار على الظالمين في موضع رفع على أنه خبر : لا ، على مذهب الأخفش ، أو على أنه خبر للمبتدأ الذي هو مجموع : لا عدوان ، على مذهب سيبويه. وقد تقدّم التنبيه على ذلك ، وجاء : بعلى ، تنبيها على استيلاء الجزاء عليهم واستعلائه.
وقيل : معنى لا عدوان ، لا سبيل ، كقوله : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ