(فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) ظاهره ثبوت هذا الحكم للأمة ، وأنه يتحلل بالإحصار. وروي عن عائشة وابن عباس : أنه لايتحلل من إحرامه إلّا بأداء نسكه ، والمقام على إحرامه إلى زوال إحصاره. وليس لمحرم أن يتحلل بالإحصار بعد النبي صلىاللهعليهوسلم ، فإن كان إحرامه بعمرة لم يفت ، وإن كان بحج ففاته قضاه بالفوات بعد إحلاله منه وتقدم الكلام في الإحصار.
وثبت بنقل من نقل من أهل اللغة : أن الإحصار والحصر سواء ، وأنهما يقالان في المنع بالعدوّ ، وبالمرض ، وبغير ذلك من الموانع ، فتحمل الآية على ذلك ، ويكون سبب النزول ورد على أحد مطلقات الإحصار.
وليس في الآية تقييد ، وبهذا قال قتادة ، والحسن ، وعطاء ، والنخعي ، ومجاهد ، وأبو حنيفة ، وقال علقمة ، وعروة : الآية نزلت فيمن أحصر بالمرض لا بالعدوّ ، وقال ابن عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير ، ومالك ، والشافعي. لا يكون الإحصار إلّا بالعدوّ فقط.
قال ابن عباس : والآية نزلت فيمن أحصر بالعدوّ لا بالمرض. وقال مالك ، والشافعي : ولو أحصر بمرض فلا يحله إلّا البيت ، ويقيم حتى يفيق ، ولو أقام سنين.
وظاهر قوله : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) استواء المكي والآفاقي في ذلك ، وقال عروة ، والزهري ، وأبو حنيفة : ليس على أهل مكة إحصار.
وظاهر لفظ : أحصرتم ، مطلق الإحصار ، وسواء علم بقاء العدوّ استيطانه لقوته وكثرته ، فيحل المحصر مكانه من ساعته على قول الجمهور ، أو رجا زواله ، وقيل : لا يباح له التحلل إلّا بعد أن يبقى بينه وبين الحج مقدار ما يعلم أنه لو زال العدوّ لم يدرك الحج ، فيحل حينئذ ، وبه قال ابن القاسم ، وابن الماجشون.
وقيل : من حصر عن الحج بعذر حتى يوم النحر فلا يقطع التلبية حتى يروح الناس إلى عرفة ، ومطلق الإحصار يشمل قبل عرفة وبعدها خلافا لأبي حنيفة ، فإن من أحصر بمكة أو بعد الوقوف فلا يكون محصرا ؛ وبناء الفعل للمفعول يدل على أن المحصر بمسلم أو كافر سواء.
(فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) هو شاة ، قاله علي ، وابن عباس ، وعطاء ، وابن جبير ، وقتادة ، وإبراهيم ، والضحاك ، ومغيرة. وقد سميت هديا في قوله : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (١) وقال الحسن ، وقتادة : أعلاه بدنة ، وأوسطه بقرة ، وأدناه شاة. وبه قال مالك ، وأبو يوسف ،
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٩٥.