ذلك تفصيل ، وهو : أن الحدث إما أن يكون مستغرقا للزمان ، فيرفع ، ولا يجوز فيه النصب ، أو غير مستغرق فمذهب هشام أنه يجب في الرفع ، فيقول : ميعادك يوم ، وثلاثة أيام ، وذهب الفراء إلى جواز النصب والرفع كالبصريين ، ونقل عن الفراء في هذا الموضع أنه لا يجوز نصب الأشهر ، لأن : أشهرا ، نكرة غير محصورة.
وهذا النقل مخالف لما نقلنا نحن عنه ، فيمكن أن يكون له القولان ، قول البصريين ، وقول هشام ، وجمع شهر على أفعل لأنه جمع قلة بخلاف قوله (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ) (١) فإنه جاء على : فعول ، وهو جمع الكثرة.
وظاهر لفظ أشهر الجمع ، وهو : شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، كله ، وبه قال ابن مسعود ، وابن عمر ، وعطاء ، وطاووس ، ومجاهد ، والزهري ، والربيع ، ومالك.
وقال ابن عباس ، وابن الزبير ، وابن سيرين ، والحسن ، وعطاء ، والشعبي ، وطاووس ، والنخعي ، وقتادة ، ومكحول ، والسدي ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وابن حبيب ، عن مالك ، هي : شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة.
وروي هذا عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وحكى الزمخشري ، وصاحب (المنتخب) عن الشافعي : أن الثالث التسعة من ذي الحجة مع ليلة النحر ، لأن الحج يفوت بطلوع الفجر.
وهذان القولان فيهما مجاز ، إذ أطلق على بعض الشهر ، شهر.
وقال الفراء : تقول العرب : له اليوم يومان لم أره ، وإنما هو يوم وبعض يوم آخر ، وإنما قالوا ذلك تغليبا لأكثر الزمان على أقله ، وهو كما نقل في الحديث : أيام منى ثلاثة أيام وإنما هي يومان وبعض الثالث ، وهو من باب إطلاق بعض على كل ، وكما قال الشاعر :
ثلاثون شهرا في ثلاثة أحوال
على أحد التأويلين ، قيل : ولأن العرب توقع الجمع على التثنية إذا كانت التثنية أقل الجمع ، وقال الزمخشري. فإن قلت : فكيف كان الشهران. وبعض الشهر أشهرا؟ قلت : اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد ، بدليل قوله تعالى (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) (٢) فلا سؤال فيه إذن ، وإنما يكون موضعا للسؤال لو قيل : ثلاثة أشهر معلومات. انتهى كلامه.
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٣٦.
(٢) سورة التحريم : ٦٦ / ٤.