وما ذكره الدعوى فيه عامة ، وهو أن اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد ، وهذا فيه النزاع. والدليل الذي ذكره خاص ، وهو : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) وهذا لا خلاف فيه ، ولإطلاق الجمع في مثل هذا على التثنية شروط ذكرت في النحو. و : أشهر ، ليس من باب (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) فلا يمكن أن يستدل به عليه.
وقوله : فلا سؤال فيه ، إذن ليس بجيد ، لأنه فرض السؤال بقوله : فإن قلت؟ وقوله فإنما كان يكون موضعا للسؤال لو قيل : ثلاثة أشهر معلومات ، ولا فرق عندنا بين شهر وبين قوله ثلاثة أشهر ، لأنه كما يدخل المجاز في لفظ أشهر ، كذلك قد يدخل المحاز في العدد ، ألا ترى إلى ما حكاه الفراء : له اليوم يومان لم أره؟ قال : وإنما هو يوم وبعض يوم آخر ، وإلى قول امرئ :
ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
على ما قدّمنا ذكره ، وإلى ما حكي عن العرب ، ما رأيته مذ خمسة أيام وإن كنت قد رأيته في اليوم الأول والخامس فلم يشمل الانتفاء خمسة أيام جميعها بل تجعل ما رأيته في بعضه ، وانتفت الرؤية في بعضه ، كان يوم كامل لم تره فيه ، فإذا كان هذا موجودا في كلامهم فلا فرق بين أشهر ، وبين ثلاثة أشهر ، ولكن مجاز الجمع أقرب من مجاز العدد.
قالوا : وثمرة الخلاف بين قول من جعل الأشهر هي الثلاثة بكمالها ، وبين من جعلها شهرين وبعض الثالث ، يظهر في تعلق الذم فيما يقع من الأعمال يوم النحر ، فعلى القول الأول لا يلزمه دم لأنها وقعت في أشهر الحج ، وعلى الثاني يلزمه ، لأنه قد انقضى الحج بيوم النحر ، وأخّر عمل ذلك عن وقته.
وفائدة التوقيت بالأشهر أن شيئا من أفعال الحج لا يصح إلّا فيها ، ويكره الإحرام بالحج في غيرها عند أبي حنيفة ، ومالك ، وأحمد ، وبه قال النخعي. قال : ولا يحل حتى يقضي حجه.
وقال عطاء ، ومجاهد ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبو الثور : لا يصح ، وينقلب عمرة ويحل لها. وقال ابن عباس : من سنة الحج الإحرام به.
وسبب الخلاف اختلافهم في المحذوف في قوله : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) هل التقدير : الإحرام بالحج أو أفعال الحج؟ وذكر الحج في هذه الأشهر لا يدل على أن العمرة