وعدم المخاصمة والمجادلة. فمقصد الآية غير مقصد الحديث ، فلذلك جمع في الآية بين الثلاثة ، وفي الحديث اقتصر على الاثنين.
وقد بقي الكلام على هذه الجملة : أهي مراد بها النفي حقيقة فيكون إخبارا؟ أو صورتها صورة النفي والمراد به النهي؟ اختلفوا في ذلك فقال في (المنتخب) قال أهل المعاني : ظاهر الآية نفي ، ومعناها نهي. أي : فلا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا ، كقوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) (١) أي : لا ترتابوا فيه ، وذكر القاضي أن ظاهره الخبر ، ويحتمل النهي ، فإذا حمل على الخبر فمعناه : أن حجه لا يثبت مع واحدة من هذه الخلال ، بل يفسد ، فهو كالضد لها وهي مانعة من صحته ، ولا يستقيم هذا المعنى ، إلّا إن أريد بالرفث : الجماع ، والفسوق : الزنا ، وبالجدال : الشك في الحج وفي وجوبه ، لأن الشك في ذلك كفر ولا يصح معه الحج ، وحملت هذه الألفاظ على هذه المعاني حتى يصح خبر الله ، لأن هذه الأشياء لا توجد مع الحج ، وإذا حمل على النهي ، وهو خلاف الظاهر ، صلح أن يراد بالرفث : الجماع ، ومقدماته ، وقول الفحش والفسوق والجدال جميع أنواعهما لإطلاق اللفظ ، فيتناول جميع أقسامه ، لأن النهي عن الشيء نهي عن جميع أقسامه.
وتكون الآية جلية على الأخلاق الجميلة ، ومشيرة إلى قهر القوة الشهوانية ، بقوله : (فَلا رَفَثَ) وإلى قهر القوة النفسانية بقوله : (وَلا فُسُوقَ) وإلى قهر القوة الوهمية بقوله : (وَلا جِدالَ) فذكر هذه الثلاثة لأن منشأ الشر محصور فيها ، وحيث نهى عن الجدال حمل الجدال على تقرير الباطل وطلب المال والجاه ، لا على تقرير الحق ودعاء الخلق إلى الله والذب عن دينه. انتهى ما لخصناه من كلامه.
والذي نختاره أنها جملة ، صورتها صورة الخبر ، والمعنى على النهي ، لأنه لو أريد حقيقة الخبر لكان المؤدّي لهذا المعنى تركيب غير هذا التركيب ، ألا ترى أنه لو قال إنسان مثلا : من دخل في الصلاة فلا جماع لامرأته ، ولا زنا بغيرها ، ولا كفر في الصلاة ، يريد الخبر ، وأن هذه الأشياء مفسدة لها لم يكن هذا الكلام من الفصاحة في رتبة قوله : من دخل في الصلاة فلا صلاة له مع جماع امرأته وزناه وكفره؟ فالذي يناسب المعنى الخبري نفي صحة الحج مع وجود الرفث والفسوق والجدال لا نفيهنّ فيه ، هكذا الترتيب العربي
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢ ، وآل عمران : ٣ / ٩ و ٢٥. والنساء : ٤ / ٨٧. والأنعام : ٦ / ١٢. ويونس : ١٠ / ٣٧. والإسراء : ١٧ / ٩٩. والسجدة : ٣٢ / ٢. والشورى : ٤٢ / ٧. والجاثية : ٤٥ / ٢٦.