الفصيح ، وإنما أتى في النهي بصورة النفي إيذانا بأن المنهي عنه يستبعد الوقوع في الحج ، حتى كأنه مما لا يوجد ، ومما لا يصح الإخبار عنه بأنه لا يوجد.
وقال في (المنتخب) أيضا : إن كان المراد بالرفث الجماع فيكون نهيا عن ما يقتضي فساد الحج ، والإجماع منعقد على ذلك ، ويكون نفيا للصحة مع وجوده ، وإن كان المراد به التحدث مع النساء في أمر الجماع ، أو الفحش من الكلام ، فيكون نهيا لكمال الفضيلة.
وقال ابن العربي ليس نفيا لوجود الرفث ، بل نفي لمشروعيته ، فإن الرفث يوجد من بعض الناس فيه ، وإخبار الله تعالى لا يجوز أن تقع بخلاف مخبره ، وإنما يرجع النفي إلى وجوده مشروعا ، لا إلى وجوده محسوسا ، كقوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (١) ومعناه مشروعا لا محسوسا ، فإنا نجد المطلقات لا يتربصنّ ، فعاد النفي إلى الحكم الشرعي لا إلى الوجود الحسي ، وهذا كقوله : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) إذا قلنا إنه وارد في الآدميين ، وهو الصحيح ، لأن معناه لا يمسه أحد منهم شرعا ، فإن وجد المس فعلى خلاف حكم الشرع ، وهذه الدقيقة التي فاتت العلماء ، فقالوا : إن الخبر يكون بمعنى النهي ، وما وجد ذلك قط ، ولا يصح أن يوجد ، فإنهما يختلفان حقيقة ، ويتباينان وصفا انتهى كلام ابن العربي.
وتلخص في هذه الجملة أربعة أقوال :
أحدها : أنها إخبار بنفي أشياء مخصوصة وهي : الجماع ، والزنا ، والكفر.
الثاني : أنها إخبار بنفي المشروعية لا بنفي الوجود.
الثالث : أنها إخبار صورة ، والمراد بها النهي.
الرابع : التفرقة في قراءة ابن كثير ، وابن عمر ، وبأن الأوّلين في معنى النهي ، والثالث خبر ، وهذه الجملة في موضع جواب الشرط إن كانت : من ، شرطية ، وفي موضع الخبر ، إن كانت : من ، موصولة. وعلى كلا التقديرين لا بد فيها من رابط يربط جملة الجزاء بالشرط ، إذا كان الشرط بالاسم ، والجملة الخبرية بالمبتدأ الموصول إذا لم يكن إياه في المعنى ، ولا رابط هنا ملفوظ به ، فوجب أن يكون مقدرا. ويحتمل وجهين.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٢٨.