وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن الزبير : فضلا من ربكم في مواسم الحج ، والأولى جعل هذا تفسيرا ، لأنه مخالف لسواد المصحف الذي أجمعت عليه الأمة.
والجناح معناه : الدرك ، وهو أعم من الإثم ، لأنه فيما يقتضي العقاب ، وفيما يقتضي الزجر والعقاب ، وعنى بالفضل هنا الأرباح التي تكون سبب التجارة ، وكذلك ما تحصل عن الأجر بالكراء في الحج ، وقد انعقد الإجماع على جواز التجارة والاكتساب بالكل ، والاتجار إذا أتى بالحج على وجهه إلّا ما نقل شاذا عن سعيد بن جبير ، وأنه سأله أعرابي أن أكري إبلي ، وأنا أريد الحج أفيجزيني؟ قال : «لا ، ولا كرامة». وهذا مخالف لظاهر الكتاب والإجماع فلا يعول عليه.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ، أنه لما نهى عن الجدال ، والتجارة قد تفضي إلى المنازعة ، ناسب أن يتوقف فيها لأن ما أفضى إلى المنهي عنه منهي عنه ، أو لأن التجارة كانت محرمة عند أهل الجاهلية وقت الحج ، إذ من يشتغل بالعبادة يناسبه أن لا يشغل نفسه بالأكساب الدنيوية ، أو لأن المسلمين لما صار كثير من المباحات محرما عليهم في الحج ، كانوا بصدد أن تكون التجارة من هذا القبيل عندهم ، فأباح الله ذلك ، وأخبرهم أنه لا درك عليهم فيه في أيام الحج. ويؤيد ذلك قراءة من قرأ : في مواسم الحج.
وحمل أبو مسلم الآية على أنه : فيما بعد الحج ، ونظيره : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (١) فقاس : الحج ، على : الصلاة ، وضعف قوله بدخول الفاء في : فإذا قضيتم ، وهذا فصل بعد ابتغاء الفضل ، فدل على أن ما قبل الإفاضة ، وقع في زمان الحج. ولأن محل شبهة الامتناع هو التجارة في زمان الحج ، لا بعد الفراغ منه ، لأن كل أحد يعلم حلّ التجارة إذ ذاك ، فحمله على محل الشبهة أولى ، ولأن قياس الحج على الصلاة ، قياس فاسد ، لاتصال أعمال الصلاة بعضها ببعض ، وافتراق أعمال الحج بعضها من بعض ، ففي خلالها يبقى الحج على الحكم الأول ، حيث لم يكن حاجا ، لا يقال : حكم الحج مستحب عليه في تلك الأوقات ، بدليل حرمة الطيب واللبس ونحوهما ، لأنه قياس في مقابلة النص ، فهو ساقط. ونسب للياه فزان.
الفضل هنا هو ما يعمل الإنسان مما يرجو به فضل الله ورحمته ، من إعانة ضعيف ، وإغاثة ملهوف ، وإطعام جائع ؛ واعترضه القاضي بأن هذه الأشياء واجبة أو مندوب إليها ،
__________________
(١) سورة الجمعة : ٦٣ / ١٠.