صح : لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدوا خماصا ، وتروح بطانا. وقال تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (١) وقد طوى قوم الأيام بلا غذاء ، وبعضهم اكتفى باليسير من القوت في الأيام ذوات الأعداد ، وبعضهم بالجرع من الماء.
وصح من حديث أبي ذر اكتفاؤه بماء زمزم شهرا ، وخرج منها وله عكن ، وأن جماعة من الصحابة اكتفوا أياما كثيرة ، كل واحد منهم بتمرة في اليوم.
فأما خرق العادات من دوران الرحى بالطحين ، وامتلاء الفرن بالعجين ، وإن لم يكن هناك طعام ، ونحو ذلك ، فحكوا وقوع ذلك. وقد شرب سفيان بن عيينة فضلة سفيان الثوري من ماء زمزم فوجدها سويقا ، وقد صح وثبت خرق العوائد لغير الأنبياء عليهمالسلام ، فلا يتكرر ذلك إلّا من مدّع ذلك ، وليس هو على طريق الاستقامة ككثير ممن شاهدناهم يدعون ، ويدعى ذلك لهم.
(وَاتَّقُونِ) هذا أمر بخوف الله تعالى ، ولما تقدم ما يدل على اجتناب أشياء في الحج ، وأمروا بالتزود للمعاد ، وأخبر بالتقوى عن خير الزاد ، ناسب ذلك كله الأمر بالتقوى ، والتحذير من ارتكاب ما تحل به عقوبته ، ثم قال (يا أُولِي الْأَلْبابِ) تحريكا لامتثال الأمر بالتقوى ، لأنه لا يحذر العواقب ، إلّا من كان ذا لبّ ، فهو الذي تقوم عليه حجة الله ، وهو القابل للأمر والنهي ، وإذا كان ذو اللب لا يتقي الله ، فكأنه لا لب له ، وقد تقدم الكلام على مثل هذا النداء في قوله : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) (٢) فأغنى عن إعادته.
والظاهر من اللب أنه لب مناط التكليف ، فيكون عاما ، لا اللب الذي هو مكتسب بالتجارب ، فيكون خاصا ، لأن المأمور باتقاء الله هم جميع المكلفين.
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) سبب نزولها ان العرب تحرجت لما جاء الإسلام أن يحضروا أسواق الجاهلية. كعكاظ ، وذي المجاز ، ومجنة ، فأباح الله لهم ذلك ، قاله ابن عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ؛ وقال مجاهد أيضا : كان بعض العرب لا ينحرون مذ يحرمون ، فنزلت في إباحة ذلك ، وروي عن ابن عمر أنها نزلت فيمن يكري في الحج ، وأن حجه تام.
__________________
(١) سورة الطلاق : ٦٥ / ٣.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٧٩.