ما بينهما ، فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات ، قال : ثم أفيضوا ، التفاوت ما بين الإفاضتين ، وأن أحدهما صواب والثانية خطأ. انتهى كلامه.
وليست الآية كالمثال الذي مثله ، وحاصل ما ذكر أن : ثم ، تسلب الترتيب ، وأنها لها معنى غيره سماه بالتفاوت والبعد لما بعدها مما قبلها ، ولم يجز في الآية أيضا ذكر الإفاضة الخطأ فيكون : ثم ، في قوله : ثم أفيضوا ، جاءت لبعد ما بين الإفاضتين وتفاوتهما ، ولا نعلم أحدا سبقه إلى اثبات هذا المعنى لثم.
و : من حيث ، متعلق : بأفيضوا ، و : من ، لابتداء الغاية ، و : حيث ، هنا على أصلها من كونها ظرف مكان ، وقال القفال : من حيث أفاض الناس ، عبارة عن زمان الإفاضة من عرفة ، ولا حاجة إلى إخراج حيث عن موضوعها الأصلي ، وكأنه رام أن يغاير بذلك بين الإفاضتين ، لأن الأولى في المكان ، والثانية في الزمان ، ولا تغاير ، لأن كلّا منهما يقتضي الآخر ويدل عليه ، فهما متلازمان. أعني : مكان الإفاضة من عرفات ، وزمانها. فلا يحصل بذلك جواب عن مجيء العطف بثم.
و : الناس ، ظاهره العموم في المفيضين ، ومعناه أنه الأمر القديم الذي عليه الناس ، كما تقول : هذا مما يفعله الناس ، أي عادتهم ذلك ، وقيل : الناس أهل اليمن وربيعة ، وقيل : جميع العرب دون الحمس ، وقيل : الناس إبراهيم ومن أفاض معه من أبنائه والمؤمنين به ، وقيل : إبراهيم وحده ، وقيل : آدم وحده ، وهو قول الزهري لأنه أبو الناس وهم أولاده وأتباعه ، والعرب تخاطب الرجل العظيم الذي له أتباع مخاطبة الجمع ، وكذلك من له صفات كثيرة ، ومنه قوله :
فأنت الناس إذ فيك الذي قد |
|
حواه الناس من وصف جميل |
ويؤيده قراءة ابن جبير : من حيث أفاض الناس ، بالياء من قوله : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) (١) وإطلاق الناس على : واحد من الناس هو خلاف الأصل ، وقد رجح هذا بأن قوله : (مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) هو فعل ماض يدل على فاعل متقدم ، والإفاضة إنما صدرت من آدم وإبراهيم ، ولا يلزم هذا الترجيح ، لأن : حيث ، إذا أضيفت إلى جملة مصدرة بماض جاز أن يراد بالماضي حقيقته ، كقوله تعالى :
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ١١٥.