الجواب للسائل عن حجه عن أبيه : أله فيه أجر؟ لعموم قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) وقد أجاب ابن عباس بهذه الآية من سأله أن يكري دابته ويشرط عليهم أن يحج ، فهل يجزى عنه؟ وذلك لعموم قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا).
(وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) ظاهره الإخبار عنه تعالى بسرعة حسابه ، وسرعته بانقضائه عجلا كقصد مدته ، فروي : بقدر حلب شاة ، وروي بمقدار فواق ناقة ، وروي بمقدار لمحة البصر. أو لكونه لا يحتاج إلى فكر ، ولا رؤية كالعاجز ، قاله أبو سليمان. أو : لما علم ما للمحاسب وما عليه قبل حسابه ، قاله الزجاج. أو : لكون حساب العالم كحساب رجل واحد أو لقرب مجيء الحساب ، قاله مقاتل.
قيل : كنى بالحساب عن المجازاة على الأعمال إذا كانت ناشئة عنها كقوله : (وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) يعنى ما جزائي ، وقيل : كنى بالحساب عن العلم بمجاري الأمور ، لأن الحساب يفضي إلى العلم ، قاله الزجاج أيضا.
وقيل : عبر بالحساب عن القبول لدعاء عباده ، وقيل : عبر به عن القدرة والوفاء ، أي : لا يؤخر ثواب محسن ولا عقاب مسيء. وقيل : هو على حذف مضاف ، أي : سريع مجيء يوم الحساب. فالمقصود بالآية الإنذار بسرعة يوم القيامة. وقيل : سرعة الحساب تعالى رحمته وكثرتها ، فهي لا تغب ولا تنقطع. وروي ما يقاربه عن ابن عباس.
وظاهر سياق هذا الكلام عموم الحساب للكافر والمؤمن إذ جاء بعد ما ظاهره أنه للطائعين ، ويكون حساب الكفار تقريعا وتوبيخا ، لأنه ليس له حسنة في الآخرة يجزى بها ، وهو ظاهر قوله : (وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) (١) وقال الجمهور : الكفار لا يحاسبون ، قال تعالى : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (٢) (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (٣) وظاهر ثقل الموازين وخفتها ، وما ترتب عليها في الآيات الواردة في القرآن شمول الحسنات للبر والفاجر ، والمؤمن والكافر.
وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة : أن الحج له أشهر معلومات ، وجمعها على أشهر لقلتها ، وهي : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة. بكمالها ، على ما يقتضيه ظاهر الجمع ،
__________________
(١) سورة الحاقة : ٦٩ / ٢٦.
(٢) سورة الكهف : ١٨ / ١٠٥.
(٣) سورة الفرقان : ٢٥ / ٢٣.