مما اقتضاه دعاؤه ، إما الدنيا فقط ، وإما الدنيا والآخرة ، فيكون كقوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) (١) و (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) (٢) و (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) (٣) الآيات.
وكما جاء في الصحيح : وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا ما عمل الله بها ، فإذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها. وفي المعنى الأول لا يكون فيه وعد بالإجابة.
و : من ، في قوله : مما كسبوا ، يحتمل أن تكون للتبعيض ، أي : نصيب من جنس ما كسبوا ، ويحتمل أن يكون للسبب ، و : ما ، يحتمل أن تكون موصولة لمعنى الذي أو موصولة مصدرية أي : من كسبهم ، وقيل : أولئك ، مختص بالإشارة إلى طالبي الحسنتين فقط ، ولم يذكر ابن عطية غيره. وذكره الزمخشري بإزائه.
قال ابن عطية : وعد على كسب الأعمال الصالحة في صيغة الإخبار المجرد ، وقال الزمخشري : أولئك الداعون بالحسنتين لهم نصيب من جنس ما كسبوا من الأعمال الصالحة ، وهو الثواب الذي هو منافع الحسنة ، أو من أجل ما كسبوا ، كقوله : مما خطاياهم اغرقوا ، ثم قال بعد كلام : ويجوز أن يكون أولئك الفريقين جميعا ، وأن لكل فريق نصيبا من جنس ما كسبوا. انتهى كلامه.
والأظهر ما قدمناه من أن : أولئك ، إشارة إلى الفريقين ، ويؤيده قوله : (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) وهذا ليس مما يختص به فريق دون فريق ، بل هذا بالنسبة لجميع الخلق ، والحساب يعم محاسبة العالم كلهم ، لا محاسبة هذا الفريق الطالب الحسنتين.
وروي عن ابن عباس : أن النصيب هنا مخصوص بمن حج عن ميت ، يكون الثواب بينه وبين الميت ، وروي عنه أيضا ، في حديث الذي سأل هل يحج عن أبيه. وكان مات؟ وفي آخره ، قال : فهل لي من أجره؟ فنزلت هذه الآية ، قيل : وإذا صح هذا فتكون الآية منفصلة عن التي قبلها ، معلقة بما قبله من ذكر الحج ومناسكه وأحكامه. انتهى. وليست كما ذكر منفصلة ، بل هي متصلة بما قبلها ، لأن ما قبلها هو في الحج ، وأن انقسام الفريقين هو في الحج ، فمنهم من كان يسأل الله الدنيا فقط ، ومنهم من يسأل الدنيا والآخرة. وحصل
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٢٠.
(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ١٨.
(٣) سورة هود : ١١ / ١٥.