ذكره من أحكام الحج وغيره لمن اتقى ، لأنه هو المنتفع به دون من سواه ، كقوله : ذلك خير للذين يريدون وجهه انتهى كلامه.
واتقى : هنا حاصلة لمن. وهي بلفظ الماضي ، فقيل : هو ماضي المعنى أيضا ، أي : المغفرة لا تحصل إلا لمن كان متقيا منيبا قبل حجه ، نحو : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (١) وحقيقته أن المصرّ على الذنب لا ينفعه حجه وإن كان قد أدّى الفرض في الظاهر ، وقيل : اتقى جميع المحظورات حال اشتغاله بالحج ، قاله قتادة ، وأبو صالح. وقال ابن عباس : لمن اتقى في الإحرام الرفث والفسوق والجدال ، وقال الماتريدي : لمن اتقى قتل الصيد في الإحرام ، وقيل : يراد به المستقبل ، أي : لمن يتقي الله في باقي عمره كما قدمناه.
والظاهر تعلقه بالآخر وهو انتفاء الإثم لقربه منه ، ولصحة المعنى أيضا ، إذ من لم يكن متقيا لم يرتفع الإثم عنه.
والظاهر أن مفعول اتقى المحذوف هو : الله ، أي : لمن اتقى الله ، وكذا جاء مصرحا به في مصحف عبد الله.
(وَاتَّقُوا اللهَ) لما ذكر تعالى رفع الإثم ، وأن ذلك يكون لمن اتقى الله ، أمر بالتقوى عموما ، ونبه على ما يحمل على اتقاء الله بالحشر إليه للمجازات ، فيكون ذلك حاملا لهم على اتقاء الله ، لأن من علم أنه يحاسب في الآخرة على ما اجترح في الدنيا اجتهد في أن يخلص من العذاب ، وأن يعظم له الثواب ، وإذا كان المأمور بالتقوى موصوفا بها ، كان ذلك الأمر أمرا بالدوام ، في ذكر الحشر تخويف من المعاصي ، وذكر الأمر بالعلم دليل على أنه لا يكفي في اعتقاد الحشر إلّا الجزم الذي لا يجامعه شيء من الظن ، وقدم إليه للاعتناء بمن يكون الحشر إليه ، ولتواخي الفواصل والمعنى إلى جزائه.
وقد تكملت أحكام الحج المذكورة في هذه السورة من ذكر : وقت الحج إلى آخر فعل ، وهو : النفر ، وبدئت أولا بالأمر بالتقوى ، وختمت به ، وتخلل الأمر بها في غضون الآية ، وذلك ما يدل على تأكيد مطلوبيتها ، ولم لا تكون كذلك وهي اجتناب مناهي الله وإمساك مأموراته ، وهذا غاية الطاعة لله تعالى ، وبها يتميز الطائع من العاصي؟
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٢٧.