ولا تفسيرية ، لأنهما مستغنى عنهما وهذه لا يستغنى عنها ، فصارت مرتبطة غير مرتبطة ، وذلك لا يجوز.
وإذا جعلنا المحذوف من قبيل المفرد. كان فيما قبله ما يدل على حذفه ، وتكون جملة واحدة كحاله إذا تقدّم ، وأنت لا ترى فرقا بين قولك : زيد نعم الرجل ، ونعم الرجل زيد ، كما لا تجد فرقا بين : زيد قام أبوه ، وبين : قام أبوه زيد ، وحسن حذف المخصوص بالذّم هنا كون المهاد وقع فاصلة ، وكثيرا ما حذف في القرآن لهذا المعنى نحو قوله : (فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (١) و (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (٢) وجعل ما أعد لهم مهادا على سبيل الهزء بهم ، إذ المهاد : هو ما يستريح به الإنسان ويوطأ له للنوم ، ومثله قول الشاعر :
وخيل قد دلفت لها بخيل |
|
تحية بينهم ضرب وجيع |
أي : القائم مقام التحية هو الضرب الوجيع ، وكذلك القائم مقام المهاد لهم هو المستقر في النار.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) قيل المراد : بمن ، غير معنى ، بل هي في كل من باع نفسه لله تعالى في جهاد ، أو صبر على دين ، أو كلمة حق عند جائر ، أو حمية لله ، أو ذب عن شرعه ، أو ما أشبه هذا.
وقيل : هي في معين ، فقيل في : الزبير والمقداد بعثهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى مكة ليحطا خبيبا من خشبته ، وقيل : في صهيب الرومي خرج مهاجرا فلحقته قريش ، فنشل كنانته ، وكان جيد الرمي شديد البأس محذوره ، وقالوا : لا نترك حتى تدلنا على مالك ، فدلهم على موضعه ، فرجعوا عنه ، وقيل : عذب ليترك دينه فافتدي من ماله وخرج مهاجرا ، وقيل : في علي حين خلفه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع ، وأمره بمبيته على فراشه ليلة خرج مهاجرا صلىاللهعليهوسلم.
وقال الحسن : نزلت في المسلم يلقى الكافر فيقول : قل : لا إله إلا الله ، فلا يقول ، فيقول : والله لأشرين ، فيقاتل حتى يقتل. وقال ابن عباس : في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقيل : في صهيب ، وأبي ذر ، وكان أبو ذر قد أخذه أهله فانقلب ، فخرج مهاجرا. وقيل : في المهاجرين والأنصار ، وذكر المفسرون غير هذا ، وقصصا طويلا في أخبار هؤلاء المعينين الذين قيل نزلت فيهم الآية.
__________________
(١) سورة الحج : ٢٢ / ٧٨.
(٢) سورة النحل : ١٦ / ٢٩.