خمس في الإسلام ، فوجهت قريش في فداء الأسيرين فقيل : حتى يقدم سعد وعتبة ، وكانا قد أضلا بعيرا لهما قبل لقاء العير فخرجا في طلبه ، فقدما ، وفودي الأسيران. فأما الحكم فأسلم وأقام بالمدينة وقتل شهيدا ببئر معونة ، وأما عثمان فمات بمكة كافرا ، وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق على المسلمين ، فوقع بالخندق مع فرسه ، فتحطما وقتلهما الله.
وفي هذه القصة اختلاف في مواضع ، وقد لخصّ السخاوندي هذا السبب فقال : نزلت في أول سرية الإسلام أميرهم عبد الله بن جحش ، أغاروا على عير لقريش قافلة من الطائف وقتلوا عمرو بن الحضرمي آخر يوم من جمادى الآخرة ، فاشتبه بأول رجب ، فعيرهم أهل مكة باستحلاله.
وقيل : نزلت حين عاب المشركون القتال في شهر حرام عام الفتح ، وقيل : نزلت في قتل عمرو بن أمية الضمري رجلين من كلاب كانا عند النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعمرو يعلم بذلك ، وكان في أول يوم من رجب ، فقالت قريش : قتلهما في الشهر الحرام ، فنزلت.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما فرض القتال لم يخصّ بزمان دون زمان ، وكان من العوائد السابقة أن الشهر الحرام لا يستباح فيه القتال ، فبين حكم القتال في الشهر الحرام. وسيأتي معنى قوله (قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) كما جاء : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) (١) وجاء بعده : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٢) ذلك التخصيص في المكان ، وهذا في الزمان.
وضمير الفاعل في يسألونك ، قيل : يعود على المشركين ، سألوا تعييبا لهتك حرمة الشهداء ، وقصدا للفتك ، وقيل : يعود على المؤمنين ، سألوا استعظاما لما صدر من ابن جحش واستيضاحا للحكم.
والشهر الحرام ، هنا هو رجب بلا خلاف ، هكذا قالوا ، وذلك على أن تكون الألف واللام فيه للعهد ، ويحتمل أن تكون للجنس ، فيراد به الأشهر الحرام وهي : ذو القعدة ، ذو الحجة ، والمحرم ورجب. وسميت حرما لتحريم القتال فيها ، وتقدّم شيء من هذا في قوله : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) (٣).
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٩١ ؛ والنساء : ٤ / ٩١.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٩١.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٩٤.