وقرأ الجمهور : قتال فيه ، بالكسر وهو بدل من الشهر ، بدل اشتمال. وقال الكسائي : هو مخفوض على التكرير ، وهو معنى قول الفراء ، لأنه قال : مخفوض بعن مضمرة ، ولا يجعل هذا خلافا كما يجعله بعضهم ، لإن قول البصريين إن البدل على نية تكرار العامل هو قول الكسائي ، والفراء.
لا فرق بين هذه الأقوال ، هي كلها ترجع لمعنى واحد.
وقال أبو عبيدة : قتال فيه ، خفض على الجوار ، قال ابن عطية : هذا خطأ. انتهى. فإن كان أبو عبيدة عنى الخفض على الجوار الذي اصطلح عليه النحاة ، فهو كما قال ابن عطية : وجه الخطا فيه هو أن يكون تابعا لما قبله في رفع أو نصب من حيث اللفظ والمعنى ، فيعدل به عن ذلك الإعراب إلى إعراب الخفض لمجاورته لمخفوض لا يكون له تابعا من حيث المعنى ، وهنا لم يتقدّم لا مرفوع ، ولا منصوب ، فيكون : قتال ، تابعا له ، فيعدل به عن إعرابه إلى الخفض على الجوار ، وإن كان أبو عبيدة عنى الخفض على الجوار أنه تابع لمخفوض ، فخفضه بكونه جاور مخفوضا أي : صار تابعا له ، ولا نعني به المصطلح عليه ، جاز ذلك ولم يكن خطأ ، وكان موافقا لقول الجمهور ، إلّا أنه أغمض في العبارة ، وألبس في المصطلح.
وقرأ ابن عباس ، والربيع ، والأعمش : عن قتال فيه ، بإظهار : عن ، وهكذا هو في مصحف عبد الله.
وقرىء شاذا : قتال فيه ، بالرفع ، وقرأ عكرمة : قتل فيه قل قتل فيه ، بغير ألف فيهما.
ووجه الرفع في قراءة : قتال فيه ، أنه على تقدير الهمزة فهو مبتدأ ، وسوغ جواز الابتداء فيه ، وهو نكرة ، لنية همزة الاستفهام ، وهذه الجملة المستفهم عنها هي في موضع البدل من : الشهر الحرام ، لأن : سأل ، قد أخذ مفعوليه ، فلا يكون في موضع المفعول ، وإن كانت هي محط السؤال ، وزعم بعضهم أنه مرفوع على إضمار اسم فاعل تقديره : أجائز قتال فيه؟ قيل : ونظير هذا ، لأن السائلين لم يسألوا عن كينونة القتال في الشهر الحرام ، إنما سألوا : أيجوز القتال في الشهر الحرام؟ فهم سألوا عن مشروعيته لا عن كينونته فيه.
(قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) هذه الجملة مبتدأ وخبر ، و : قتال ، نكرة ، وسوغ الابتداء بها