كونها وصفت بالجار والمجرور ، وهكذا قالوا ، ويجوز أن يكون : فيه ، معمولا لقتال ، فلا يكون في موضع الصفة ، وتقييد النكرة بالمعمول مسوغ أيضا لجواز الابتداء بالنكرة ، وحدّ الاسم إذا تقدّم نكرة ، وكان إياها ، أن يعود معرفا بالألف واللام ، تقول : لقيت رجلا فضربت الرجل ، كما قال تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) (١) قيل : وإنما لم يعد بالألف واللام هنا لأنه ليس المراد تعظيم القتال المذكور المسئول عنه. حتى يعاد بالألف واللام ، بل المراد تعظيم : أي قتال كان في الشهر الحرام ، فعلى هذا : قتال الثاني ، غير الأوّل انتهى.
وليست الألف واللام تفيد التعظيم في الاسم ، إذ كانت النكرة السابقة ، بل هي فيه للعهد السابق ، وقيل : في (المنتخب) : إنما نكر فيهما لأن النكرة الثانية هي غير الأولى ، وذلك أنهم أرادوا بالأول الذي سألوا عنه ، فقال عبد الله بن جحش ، وكان لنصرة الإسلام وإذلال الكفر ، فلا يكون هذا من الكبائر ، بل الذي يكون كبيرا هو قتال غير هذا ، وهو ما كان الفرض فيه هدم الإسلام وتقوية الكفر ، فاختير التنكير في اللفظين لأجل هذه الدقيقة ، ولو وقع التعبير عنهما ، أو عن أحدهما ، بلفظ التعريف لبطلت هذه الفائدة. انتهى.
واتفق الجمهور على أن حكم هذه الآية حرمة القتال في الشهر الحرام ، إذ المعنى : قل قتال فيه لهم كبير ، فقال ابن عباس ، وقتادة ، وابن المسيب ، والضحاك ، والأوزاعي : إنها منسوخة بآية السيف : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (٢) إذ يلزم من عموم المكان عموم الزمان.
وقيل : هي منسوخة بقوله : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) (٣) ، وإلى هذا ذهب الزهري ، ومجاهد ، وغيرهما.
وقيل : نسخهما غزو النبي صلىاللهعليهوسلم ثقيفا في الشهر الحرام ، وإغزاؤه أبا عامر إلى أوطاس في الشهر الحرام.
وقيل : نسخها بيعة الرضوان والقتال في ذي القعدة ، وضعف هذا القول بأن تلك البيعة كانت على الدفع لا على الابتداء بالقتال.
__________________
(١) سورة المزمل : ٧٣ / ١٦.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٥.
(٣) سورة التوبة : ٩ / ٣٦.