ومع مداومتهما قل أن يبقى مال فتتصدق به ، أو تجاهد به ، فلذلك وقع السؤال عنهما.
وقال بعض من ألف في الناسخ والمنسوخ : أكثر العلماء على أنها ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر ، وسورة الأنعام مكية ، فلا يعتبر بما فيها من قوله : (قُلْ لا أَجِدُ) (١) وقال ابن جبير : لما نزل (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) كره الخمر قوم للإثم ، وشربتها قوم للمنافع ، حتى نزل : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) (٢) فاجتنبوها في أوقات الصلاة ، حتى نزل : (فَاجْتَنِبُوهُ) (٣) فحرمت. قال مكي : فهذا يدل على أن هذه منسوخة بآية المائدة ، ولا شك في أن نزول المائدة بعد البقرة ، وقال قتادة : ذم الله الخمر بهذه الآية ولم يحرمها ، وقال بعض الناس : لا يقال إن هذه الآية ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر ، لأنه يلزم منه أن الله أنزل إباحتها ، ثم نسخ ، ولم يكن ذلك ، وإنما كان مسكوتا عن شربها ، فكانوا جارين في شربها على عادتهم ، ثم نزل التحريم. كما سكت عنهم في غيرها من المحرمات إلى وقت التحريم.
وجاء : (وَيَسْئَلُونَكَ) بواو الجمع وإن كان من سأل اثنين : وهما عمرو ومعاذ ، على ما روي في سبب النزول ، لأن العرب تنسب الفعل الصادر من الواحد إلى الجماعة في كلامها ، وقد تبين ذلك.
والسؤال هنا ليس عن الذات ، وإنما هو عن حكم هذين من حل وحرمة وانتفاع ، ولذلك جاء الجواب مناسبا لذلك ، لا جوابا عن ذات.
وتقدم تفسير الخمر في اللغة ، وأما في الشريعة ، فقال الجمهور : كل ما خامر العقل وأفسده مما يشرب يسمى خمرا ، وقال الرازي ، عن أبي حنيفة : الخمر اسم ما يتخذ من العنب خاصة ، ونقل عنه السمرقندي : أن الخمر عنده هو اسم ما اتخذ من العنب والزبيب والتمر ، وقال : إن المتخذ من الذرة والحنطة ليس من الأشربة ، وإنما هو من الأغذية المشوّشة للعقل : كالبنج والسيكران ، وقيل : الصحيح ، عن أبي حنيفة ، أن القطرة من هذه الأشربة من الخمر.
وتقدم تفسير الميسر وهو : قمار أهل الجاهلية ، وأما في الشريعة فاسم الميسر يطلق على سائر ضروب القمار ، والإجماع منعقد على تحريمه ، قال علي ، وابن عباس ، وعطاء
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٤٥.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٥٤٣.
(٣) سورة المائدة : ٥ / ٩٠.