الدينية ، فنهى عن نكاح من لم تكن فيه هذه الأخوة ، واندرج يتامى الكفار في عموم من أشرك.
ومناسبة أخرى : أنه لما تقدم حكم الشرب في الخمر ، والأكل في الميسر ، وذكر حكم المنكح ، فكما حرم الخمر من المشروبات ، وما يجر إليه الميسر من المأكولات ، حرّم المشركات من المنكوحات.
وقرأ الجمهور : ولا تنكحوا ، بفتح التاء من نكح ، وهو يطلق بمعنى العقد ، وبمعنى الوطء بملك وغيره ؛ وقرأ الأعمش : ولا تنكحوا بضم التاء من انكح ، أي : ولا تنكحوا أنفسكم المشركات. والمشركات هنا : الكفار فتدخل الكتابيات ، ومن جعل مع الله إلها آخر ، وقيل : لا تدخل الكتابيات ، والصحيح دخولهنّ لعبادة اليهود عزيزا ، والنصارى عيسى ، ولقوله : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١) وهذا القول الثاني هو قول جل المفسرين.
وقيل : المراد مشركات العرب ، قاله قتادة.
فعلى قول من قال : إنه تدخل فيهنّ الكتابيات ، يحتاج إلى مجوّز نكاحهنّ فروي عن ابن عباس أنه عموم نسخ ، وعن مجاهد عموم خص منه الكتابيات ، وروي عن ابن عباس :
أن الآية عامة في الوثنيات والمجوسيات والكتابيات ، وكل من على غير دين الإسلام ، ونكاحهنّ حرام.
والآية محكمة على هذا ، ناسخة لآية المائدة. وآية المائدة متقدمة في النزول على هذه الآية ، وإن كانت متأخرة في التلاوة ، ويؤكد هذا قول ابن عمر في (الموطأ) : ولا أعلم إشراكا أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى. وروي أن طلحة بن عبيد الله نكح يهودية ، وان حذيفة نكح نصرانية ، وان عمر غضب عليهما غضبا شديدا حتى همّ أن يسطو عليهما ، وتزوّج عثمان نائله بنت الفرافصة ، وكانت نصرانية.
ويجوز نكاح الكتابيات ، قال جمهور الصحابة والتابعين ، عمر ، وعثمان ، وجابر ، وطلحة ، وحذيفة ، وعطاء ، وابن المسيب ، والحسن ، وطاووس ، وابن جبير ، والزهري ، وبه قال الشافعي : وعامة أهل المدينة والكوفة ، قيل : أجمع علماء الأمصار على جواز
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ١٨. والنحل : ١٦ / ١ ، والروم : ٣٠ / ٤٠ ؛ والزمر : ٣٩ / ٦٧.