فخالف فلا والله تهبط تلعة
أي : لا تهبط ، وقيل : ارادة أن تبروا ، والتقادير الأول متلاقية من حيث المعنى ، وروي هذا المعنى عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وابن جريج ، وابراهيم ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، ومقاتل ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج ، في آخر من روي عنهم أن المعنى : لا تحلفوا بالله أن لا تبروا ، فيتعلق بقوله : ولا تجعلوا ، ولا يظهر هذا المعنى لما فيه من تعليل امتناع الحلف بانتفاء البر ، بل وقوع الحلف معلل بانتفاء البر ، ولا ينعقد منه شرط وجزاء لو قلت في معنى هذا النهي وعلته : إن حلفت بالله بررت ، لم يصح وذلك كما تقول : لا تضرب زيدا لئلا يؤذيك ، فانتفت الاذاية للامتناع من الضرب ، والمعنى : إن لم تضربه لم يؤذك ، وإن ضربته أذاك ، فلا يترتب على الامتناع من الحلف انتفاء البر ، ولا على وجوده ، بل يترتب على الامتناع من الحلف وجود البر ، وعلى وقوع الحلف انتفاء البر ، وهذا الذي ذكرناه يؤيد القول بان التقدير : إرادة أن تبروا ، لأنه يعلل الامتناع من الحلف بإرادة وجود البر ، ويتعلق منه الشرط والجزاء ، تقول : إن حلفت لم تبر ، وإن لم تحلف بررت.
وقد شرح بعض العلماء هذا المعنى فقال : أن تبروا وتتقوا وتصلحوا علة لهذا النهي ، أي : إرادة أن تبروا ، والمعنى إنما نهيكم عن هذا لما في توقي ذلك من البر والتقوى والإصلاح ، فتكونون معاشر المؤمنين بررة أتقياء مصلحين في الأرض غير مفسدين ، فإن قلت : كيف يلزم من ترك الحلف حصول البر والتقوى والإصلاح بين الناس؟ قلنا : لأن من ترك الحلف لاعتقاده أن الله تبارك وتعالى ، أعظم وأجل أن يستشهد باسمه المعظم في طلب الدنيا ، إن هذا من أعظم أبواب البر.
وأما معنى التقوى فظاهر ، لأنه اتقى أن يصدر منه ما يخل بتعظيم الله تعالى وأما الإصلاح بين الناس ، فلأن الناس متى اعتقدوا فيه كونه معظما لله تعالى إلى هذا الحد ، محترزا عن الإخلال بواجب حقه ، اعتقدوا فيه كونه معظما لله ، وكونه صادقا بعيدا من الأغراض الفاسدة ، فيتقبلون قوله ، فيحصل الصلح بتوسطه. انتهى هذا الكلام.
وفي (المنتخب) وهو بسط ما قاله الزمخشري قال : ومعناها على الأخرى يزيد على أن يكون عرضة ، بمعنى معرضا للأمر ، قال : ولا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم فتتبذلوه