فيكم رسولا ، ويكون تشبيه الهداية بالإرسال في التحقق والثبوت ، أي اهتداء ثابتا متحققا ، كتحقق إرسالنا فيكم رسولا ، ويكون تشبيه الهداية بالإرسال في التحقق والثبوت ، أي اهتداء ثابتا متحققا ، كتحقق إرسالنا وثبوته. وقيل : متعلق بقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) ، أي جعلا مثل ما أرسلنا ، وهو قول أبي مسلم ، وهذا بعيد جدّا ، لكثرة الفصل المؤذن بالانقطاع. وقيل : الكاف في موضع نصب على الحال من نعمتي ، أي : (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) مشبهة إرسالنا فيكم رسولا ، أي مشبهة نعمة الإرسال ، فيكون على حذف مضاف. وقيل : الكاف منقطعة من الكلام قبلها ، ومتعلقة بالكلام بعدها ، والتقدير : قال الزمخشري : كما ذكرتكم بإرسال الرسول ، فاذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب. انتهى. فيكون على تقدير مصدر محذوف ، وعلى تقدير مضاف ، أي اذكروني ذكرا مثل ذكرنا لكم بالإرسال ، ثم صار مثل ذكر إرسالنا ، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وهذا كما تقول : كما أتاك فلان فائته بكرمك ، وهذا قول مجاهد وعطاء والكلبي ومقاتل ، وهو اختيار الأخفش والزجاج وابن كيسان والأصم ، والمعنى : أنكم كنتم على حالة لا تقرءون كتابا ، ولا تعرفون رسولا ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم رجل منكم ، أتاكم بأعجب الآيات الدالة على صدقه فقال : «كما أوليتكم هذه النعمة وجعلتها لكم دليلا ، فاذكروني بالشكر ، أذكركم برحمتي» ، ويؤكده : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (١). ويحتمل على هذا الوجه ، بل يظهر ، وهو إذا علقت بما بعدها أن ، لا تكون الكاف للتشبيه بل للتعليل ، وهو معنى مقول فيها إنها ترد له وحمل على ذلك قوله تعالى : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) (٢) ، وقول الشاعر :
لا تشتم الناس كما لا تشتم
أي : واذكروه لهدايته إياكم ، ولا تشتم الناس لكونك لا تشتم ، أي امتنع من شتم الناس لامتناع الناس من شتمك. وما : في كما ، مصدرية ، وأبعد من زعم أنها موصولة بمعنى الذي ، والعائد محذوف ، ورسولا بدل منه ، والتقدير : كالذي أرسلناه رسولا ، إذ يبعد تقرير هذا التقدير مع الكلام الذي قبله ، ومع الكلام الذي بعده ، وفيه وقوع ما على آحاد من يعقل. وكذلك جعل ما كافة ، لأنه لا يذهب إلى ذلك إلا حيث لا يمكن أن ينسبك منها مع ما بعدها مصدر ، لولايتها الجمل الاسمية ، نحو قول الشاعر :
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٦٤.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٩٨.