لعمرك إنني وأبا حميد |
|
كما النشوان والرجل الحليم |
وقول من قال إن : كما أرسلنا ، متعلق بما بعده ، قد ردّه أبو محمد مكي بن أبي طالب ، قال : لأن الأمر إذا كان له جواب ، لم يتعلق به ما قبله لاشتغاله بجوابه ، قال : لو قلت كما أحسنت إليك فأكرمني أكرمك ، لم تتعلق الكاف من كما بأكرمني ، لأن له جوابا ، ولكن تتعلق بشيء آخر ، أو بمضمر ، وكذلك : فاذكروني أذكركم ، هو أمر له جواب ، فلا تتعلق كما به ، ولا يجوز ذلك إلا على التشبيه بالشرط الذي يجاوب بجوابين ، وهو قولك : إذا أتاك فلان فائته ترضه ، فتكون كما وفاذكروني جوابين للأمر ، والأول أفصح وأشهر. وتقول : كما أحسنت إليك فأكرمني ، يصح أن يجعل الكاف متعلقة بأكرمني ، إذ لا جواب له. انتهى كلامه. ورجح مكي قول من قال إنها متعلقة بما قبلها ، وهو : (لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) ، لأن سياق اللفظ يدل على أن المعنى : ولأتم نعمتي عليكم ببيان ملة أبيكم إبراهيم ، كما أجبنا دعوته فيكم ، فأرسلنا إليكم رسولا منكم يتلو. وما ذهب إليه مكي من إبطال أن ، تكون كما متعلقة بما بعدها من الوجه الذي ذكر ليس بشيء ، لأن الكاف ، إما أن تكون للتشبيه ، أو للتعليل. فإن كانت للتشبيه ، فتكون نعتا لمصدر محذوف ، ويجوز تقدّم ذلك المصدر على الفعل ، مثال ذلك : أكرمني إكراما مثل إكرامي السابق لك أكرمك ، فيجوز تقديم هذا المصدر. وإن كانت للتعليل ، فيجوز أيضا تقدم ذلك على الفعل ، مثال ذلك : أكرمني لإكرامي لك أكرمك ، لا نعلم خلافا في جواز تقديم هذا المصدر وهذه العلة على الفعل العامل فيهما ، وتجويز مكي ذلك على التشبيه بالشرط الذي يجاوب بجوابين وتسميته ، كما وفاذكروني جوابين للأمر ، ليس بصحيح لأن كما ليس بجواب ، ولأن ذلك التشبيه فاسد ، لأن المصدر لا يشبه الجواب ، وكذلك التعليل. أما المصدر التشبيهي ، فهو وصف في الفعل المأمور به ، فليس مترتبا على وقوع مطلق الفعل ، بل لا يقع الفعل إلا بذلك الوصف. وعلى هذا لا يشبه الجواب ، لأن الجواب مترتب على نفس وقوع الفعل. وأما التعليل ، فكذلك أيضا ليس مترتبا على وقوع الفعل ، بل الفعل مترتب على وجود العلة ، فهو نقيض الجواب ، لأن الجواب مترتب على وقوع الفعل ، والعلة مترتب على وجود العلة ، فهو نقيض الجواب لأن الجواب مترتب على وقوع الفعل ، والعلة مترتب عليها وجود الفعل ، فلا تشبيه بينهما ، وإنما يخدش عندي في تعلق كما بقوله : فاذكروني ، هو الفاء ، لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها ، ولولا الفاء لكان التعلق واضحا ، وتبعد زيادة الفاء. فبهذا يظهر تعلق كما بما قبلها ، ويكون في ذلك تشبيه إتمام هذه النعمة الحادثة من الهداية لاستقبال قبلة الصلاة التي هي عمود الإسلام.