للقول الثاني ، وقيل : معنى رحيم حيث نظر للمرأة أن لا يضربها زوجها ، فيكون وصف الغفران بالنسبة إلى الزوج ، وصفة الرحمة بالنسبة إلى الزوجة.
(وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) قرأ ابن عباس : وإن عزموا السراح ، وانتصاب الطلاق : إما على إسقاط حرف الجر ، وهو على ، لأن عزم يتعدى بعلى كما قال :
عزمت على إقامة ذي صباح
وأما إن تضمن : عزم ، معنى : نوى ، فيتعدى إلى مفعول به.
ومعنى العزم هنا التصميم على الطلاق ، ويظهر أن جواب الشرط محذوف ، تقديره : فليوقعوه ، أي : الطلاق ، وفي قوله في هذا التقسيم : (فَإِنْ فاؤُ) و (إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) دليل على أن الفرقة التي تقع في الإيلاء لا تقع بمضي الأربعة الأشهر من غير قول ، بل لا بد من القول لقوله : عزموا الطلاق ، لأن العزم على فعل الشيء ليس فعلا للشيء ، ويؤكده : (فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) إذ لا يسمع إلّا الأقوال ، وجاءت هاتان الصفتان باعتبار الشرط وجوابه ، إذ قدرناه : فليوقعوه ، أي الطلاق ، فجاء : سميع ، باعتبار إيقاع الطلاق ، لأنه من باب المسموعات ، وهو جواب الشرط ، وجاء : عليم ، باعتبار العزم على الطلاق ، لأنه من باب النيات ، وهو الشرط ، ولا تدرك النيات إلّا بالعلم.
وتأخر هذا الوصف لمؤاخاة رؤوس الآي ، ولأن العلم أعم من السمع ، فمتعلقه أعم ، ومتعلق السمع أخص ، وأبعد من قال : فإن الله سميع لإيلائه ، لبعد انتظامه مع الشرط قبله. وقال الزمخشري : فإن قلت ما تقول في قوله : فإن الله سميع عليم؟ وعزمهم الطلاق مما لا يعلم ولا يسمع؟ قلت : الغالب أن العازم للطلاق ، وترك الفيئة والفرار لا يخلو من مقارنة ودمدمة ، ولا بد من أن يحدث نفسه ويناجيها بذلك ، وذلك حديث لا يسمعه إلّا الله ، كما يسمع وسوسة الشيطان. انتهى كلامه.
وقد قدّمنا أن صفة السمع جاءت هنا لأن المعنى : وإن عزموا الطلاق أوقعوه ، أي : الطلاق ، والإيقاع لا يكون إلّا باللفظ ، فهو من باب المسموعات ، والصفة تتعلق بالجواب لا بالشرط ، فلا تحتاج إلى تأويل الزمخشري.
وفي قوله : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) دلالة على مطلق الطلاق ، فلا يدل على خصوصية طلاق بكونه رجعيا أو بائنا ، وقد اختلف في الطلاق الداخل على المولي في ذلك ، فقال عثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وعطاء ، والنخعي ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة :