الزمخشري : ولم يرد بالمرتين التثنية والتكرار كقوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) (١) أي : كرة بعد كرة ، لا كرتين اثنتين ، ونحو ذلك من التتالي التي يراد بها التكرير ، قولهم : لبيك ، وسعديك ، وحنانيك ، وهذا ذيك ، ودواليك. انتهى كلامه. وهو في الظاهر مناقض لما قال قبل ذلك ، ومخالف لما في نفس الأمر.
أما مناقضته فإنه قال في تفسير : الطلاق مرتان ، أي : التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق. دون الجمع ، والإرسال دفعة واحدة ، فقوله : تطليقة بعد تطليقة مناقض في الظاهر لقول : ولم يرد بالمرتين التثنية ، لأنك إذا قلت ضربتك ضربة بعد ضربة ، إنما يفهم من ذلك الاقتصار على ضربتين ، وهو مساو في الدلالة لقولك : ضربتك ضربتين ، ولأن قولك : ضربتين ، لا يمكن وقوعهما إلّا ضربة بعد ضربة.
وأما مخالفته لما في نفس الأمر ، فليس هذا من التثنية التي تكون للتكرير ، لأن التثنية التي يراد بها التكرير لا يقتضي بتكريرها ثنتين ولا ثلاث ، بل يدل على التكرير مرارا ، فقولهم : لبيك ، معناه إجابة بعد إجابة فما زاد ، وكذلك أخواتها ، وكذلك قوله : كرتين ، معناه ثم أرجع البصر مرارا كثيرة والتثنية في قوله : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) إنما يراد بها شفع الواحد ، وهو الأصل في التثنية ، ألا ترى أنه لا يراد هنا بقوله : مرتان ، ما يزيد على الثنتين لقوله بعد : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) هي الطلقة الثالثة؟ ولذلك جاء بعد : (فَإِنْ طَلَّقَها) أي : فإن سرحها الثالثة ، وإذا تقرر هذا ، فليس قوله : مرتان دالا على التكرار الذي لا يشفع ، بل هو مراد به شفع الواحد ، وإنما غر الزمخشري في ذلك صلاحية التقدير بقوله : الطلاق الشرعي تطليقة بعد تطليقة ، فجعل ذلك من باب التثنية التي لا يشفع الواحد ، ومراد بها التكثير. إلّا أنه يعكر عليه أن الأصل شفع الواحد ، وأن التثنية التي لا تشفع الواحد ويراد بها التكرار لا يقتصر بها على الثلاث في التكرار ، ولما حمل الزمخشري قوله تعالى : مرتين ، على أنه من باب التثنية التي يراد بها التكرير ، احتاج أن يتأول قوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) على أنه تخيير لهم ، بعد أن علمهم كيف يطلقون ، بين أن يمسكوا النساء بحسن العشرة والقيام بمواجبهنّ ، وبين أن يسرحوهنّ السراح الجميل الذي علمهم.
وتحصل من هذا الكلام أن قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) فيه قولان للسلف.
__________________
(١) سورة الملك : ٦٧ / ٤.