وما ذكره من : أنك لا تقول علمت أن يقوم زيد ، قد قاله غيره ، قالوا : إن أن الناصبة للمضارع لا يعمل فيها فعلا تحقيق ، نحو : العلم واليقين والتحقيق ، وإنما يعمل في أن المشددة ، قال أبو علي الفارسي في (الإيضاح) : ولو قلت علمت أن يقوم زيد ، فنصبت الفعل : بأن ، لم يجز ، لأن هذا من مواضع : أن ، لأنها مما قد ثبت واستقر ، كما أنه لا يحسن : أرجو انك تقوم ، وظاهر كلام أبي علي الفارسي مخالف لما ذكره سيبويه من أن يجوز أن تقول : ما علمت إلّا أن يقوم زيد ، فأعمل : علمت ، في : أن.
قال بعض أصحابنا : ووجه الجمع بينهما أن : علمت ، قد تستعمل ويراد بها العلم القطعي ، فلا يجوز وقوع : أن ، بعدها كما ذكره الفارسي ، وقد تستعمل ويراد بها الظن القوي ، فيجوز أن يعمل في : أن ، ويدل على استعمالها ولا يراد بها العلم القطعي قوله : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) (١) فالعلم هنا إنما يراد به الظن القوي ، لأن القطع بإيمانهنّ غير متوصل إليه ، وقول الشاعر :
وأعلم علم حق غير ظن |
|
وتقوى الله من خير المعاد |
فقوله : علم حق ، يدل على أن العلم قد يكون غير علم حق ، وكذلك قوله : غير ظن ، يدل عليه أنه يقال : علمت وهو ظان ، ومما يدل على صحة ما ذكره سيبويه من أن : علمت ، قد يعمل في : أن ، إذا أريد بها غير العلم القطعي قول جرير :
نرضى عن الله أن الناس قد علموا |
|
أن لا يدانينا من خلقه بشر |
فأتى بأن ، الناصبة للفعل بعد علمت. انتهى كلامه.
وثبت بقول جرير وتجويز سيبويه أن : علم ، تدخل على أن الناصبة ، فليس بوهم ، كما ذكر الزمخشري من طريق اللفظ.
وأما قوله : لأن الإنسان لا يعلم ما في غد ، وإنما يظن ظنا ، ليس كما ذكر ، بل الإنسان يعلم أشياء كثيرة مما يكون في الغد ، ويجزم بها ولا يظنها.
والفاء في : فلا تحل ، جواب الشرط ، وله ، ومن بعد ، وحتى ، ثلاثتها تتعلق بتحل ، واللام معناها التبليغ ، ومن ابتداء الغاية ، وحتى للتعليل. وبني لقطعه عن الإضافة ، إذ تقديره من بعد الطلاق الثالث ، وزوجا أتى به للتوطئة ، أو للتقييد أظهرهما الثاني ؛ فإن كان
__________________
(١) سورة الممتحنة : ٦٠ / ١٠.