للتوطئة لا للتقييد فيكون ذكره على سبيل الغلبة لأن الإنسان أكثر ما يتزوج الحرائر ، ويصير لفط الزوج كالملغى ، فيكون في ذلك دلالة على أن الأمة إذا بتّ طلاقها ووطئها سيدها حلّ للأول نكاحها ، إذ لفظ الزوج ليس بقيد ؛ وإن كان للتقييد ، وهو الظاهر ، فلا يحللها وطء سيدها.
والفاء في : فلا جناح ، جواب الشرط قبله ، وعليهما ، في موضع الخبر ، أما المجموع : جناح ، إذ هو مبتدأ على رأي سيبويه ، وإما على أنه خبر : لا ، على مذهب أبي الحسن : وأن يتراجعا ، أي : في أن يتراجعا ، والخلاف بعد حذف : في ، أبقى : أن ، مع ما بعدها في موضع نصب ، أم في موضع جر ، تقدم لنا ذكره ، و : أن يقيما ، في موضع المفعولين سد مسدهما لجريان المسند والمسند إليه في هذا الكلام على مذهب سيبويه ، والمفعول الثاني محذوف على مذهب أبي الحسن ، وأبي العباس.
(وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) تلك : مبتدأ ، و : حدود خبر ، و : يبينها يحتمل أن يكون خبرا بعد خبر ، ويجوز أن يكون في موضع الحال ، أي مبينة ، والعامل فيها اسم الإشارة ، وذو الحال : حدود الله ، كقوله تعالى : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) (١) و : لقوم ، متعلق : بيبينها ، و : تلك ، إشارة إلى ما تقدم من الأحكام ، وقرىء : نبينها ، بالنون على طريق الالتفات ، وهي قراءة تروى عن عاصم.
ومعنى التبين هنا : الإيضاح ، وخصّ المبين لهم بالعلم تشريفا لهم ، لأنهم الذين ينتفعون بما بين الله تعالى من نصب دليل على ذلك من قول أو فعل ، وإن كان التبين بمعنى خلق البيان ، فلا بد من تخصيص المبين لهم الذين يعلمون بالذكر ، لأن من طبع على قلبه لا يخلق في قلبه التبيين.
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة نهي الله عباده عن ابتذال اسمه تعالى ، وجعله كثير الترداد ، وعلى ألسنتهم في أقسامهم على بر وتقوى وإصلاح ، فدل ذلك على أن مبالغة النهي عن ذلك في أقسامهم على ما ينافي البر والتقوى والصلاح بجهة الأحرى ، والأولى ، لأن الإكثار من اليمين بالله تعالى فيه عدم مبالاة واكتراث بالمقسم به ، إذ الأيمان معرضة لحنث الإنسان فيها كثيرا ، وقل أن يرى كثير الحلف إلّا كثير الحنث. ثم ختم هذه الآية بأنه تعالى سميع لأقوالهم ، عليم بنياتهم.
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ٥٢.