على الزوج ، فأنزل الله فيهنّ ما أنزل من الاحكام ، وحدّ حدودا لا تتعدى ، وأخبرهم أن من خالف فهو ظالم متعدّ ، أكد ذلك بالنهي عن اتخاذ آيات الله ، التي منها هذه الآيات النازلة في شأن النساء ، هزؤا ، بل تؤخذ وتتقبل بجد واجتهاد ، لأنها من أحكام الله ، فلا فرق بينها وبين الآيات التي نزلت في سائر التكاليف التي بين العبد وربه ، وبين العبد والناس.
وانتصب : هزؤا ، على أنه مفعول ثان : لتتخذوا ، وتقول : هزأ به هزؤا استخف.
وقرأ حمزة : هزأ ، بإسكان الزاي ، وإذا وقف سهل الهمزة على مذهبه في تسهيل الهمز ، وذكروا في كيفية تسهيله عنده فيه وجوها تذكر في علم القراآت ، وهو من تخفيف فعل : كعنق ، وقد تقدم الكلام في ذلك. قال عيسى بن عمر : كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم وثانيه ففيه لغتان : التخفيف والتثقيل.
وقرأ هزوا بضم الزاي وابدال من الهمزة واوا ، وذلك لأجل الضم.
وقرأ الجمهور : هزؤا بضمتين والهمز ، قيل : وهو الأصل ، وقد تقدم الكلام على ذلك في قوله تعالى : (أتتخذنا هزؤا) (١).
(وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ) هذا أمر معطوف على أمر في المعنى ، وهو : ولا تتخذوا آيات الله هزوا ، والنعمة هنا ليست التاء فيها للوحدة ، ولكنها بني عليها المصدر ، ويريد : النعم الظاهرة والباطنة ، وأجلها ما أنعم به من الإسلام ونبوّة محمد عليه الصلاة والسلام.
و : ما أنزل عليكم ، معطوف على نعمة ، وهو تخصيص بعد تعميم ، إذ ما أنزل هو من النعمة ، وهذا قد ذكرنا أنه يسمى التجريد ، كقوله : (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) (٢) بعد ذكر الملائكة ، وتقدم القول فيه ، وأتى : بعليكم ، تنبيها للمأمورين وتشريفا لهم ، إذ في الحقيقة ما أنزل إلّا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولكنه لما كنا مخاطبين بأحكامه ، ومكلفين باتباعه ، صار كأنه نزل علينا.
و : الكتاب ، القرآن ، و : الحكمة ، هي السنة التي بها كمال الأحكام التي لم يتضمنها القرآن ، والمبينة ما فيه من الإجمال. ودل هذا على أن السنة أنزلها الله على رسوله صلىاللهعليهوسلم ، كما قال تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (٣).
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٦٧.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٩٨.
(٣) سورة النجم : ٥٣ / ٣.