من المفسرين له على سبيل التمثيل وجواز أن يكون المراد. وأما دلالة اللفظ فهي طلب مطلق الذكر ، والذي يتبادر إليه الذهن هو الذكر اللساني. والذكر اللساني لا يكون ذكر لفظ الجلالة مفردا من غير إسناد ، بل لا بد من إسناد ، وأولاها الأذكار المروية في الآثار ، والمشار إليها في القرآن. وقد جاء الترغيب في ذكر جملة منها ، والوعد على ذكرها بالثواب الجزيل. وتلك الأذكار تتضمن : الثناء على الله ، والحمد له ، والمدح لجلاله ، والتماس الخير من عنده. فعبر عن ذلك بالذكر ، وأمر العبد به ، فكأنه قيل : عظموا الله ، وأثنوا عليه بالألفاظ الدالة على ذلك. وسمى الثواب المترتب على ذلك ذكرا ، فقال : فاذكروني أذكركم على سبيل المقابلة ، لما كان نتيجة الذكر وناشئا عنه سماه ذكرا. (وَاشْكُرُوا لِي) تقدّم تفسير الشكر ، وعداه هنا باللام ، وكذلك (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) (١) ، وهو من الأفعال التي ذكر أنها تارة تتعدّى بحرف جر ، وتارة تتعدّى بنفسها ، كما قال عمرو بن لجاء التميمي :
هم جمعوا بؤسي ونعمي عليكم |
|
فهلا شكرت القوم إذ لم تقابل |
وفي إثبات هذا النوع من الفعل ، وهو أن يكون يتعدّى تارة بنفسه ، وتارة بحرف جر ، بحق الوضع فيهما خلاف. وقالوا : إذا قلت : شكرت لزيد ، فالتقدير : شكرت لزيد صنيعه ، فجعلوه مما يتعدّى لواحد بحرف جر ولآخر بنفسه. ولذلك فسر الزمخشري هذا الموضع بقوله : واشكروا لي ما أنعمت به عليكم. وقال ابن عطية : واشكروا لي ، واشكروني بمعنى واحد ، ولي أفصح وأشهر مع الشكر ومعناه : نعمتي وأيادي ، وكذلك إذا قلت : شكرتك ، فالمعنى : شكرت لك صنيعك وذكرته ، فحذف المضاف ، إذ معنى الشكر : ذكر اليد وذكر مسديها معا ، فما حذف من ذلك فهو اختصار لدلالة ما بقي على ما حذف ، انتهى كلامه ، ويحتاج ، كونه يتعدى لواحد بنفسه ، وللآخر بحرف جر ، فتقول : شكرت لزيد صنيعه ، لسماع من العرب ، وحينئذ يصار إليه.
(وَلا تَكْفُرُونِ) : هو من كفر النعمة ، وهو على حذف مضاف ، أي ولا تكفروا نعمتي. ولو كان من الكفر ضدّ الإيمان ، لكان : ولا تكفروا ، أو ولا تكفروا بي. وهذه النون نون الوقاية ، حذفت ياء المتكلم بعدها تخفيفا لتناسب الفواصل. قيل : المعنى واشكروا لي بالطاعة ، ولا تكفرون بالمعصية. وقيل : معنى الشكر هنا : الاعتراف بحق المنعم ، والثناء عليه ، ولذلك قابله بقوله : (وَلا تَكْفُرُونِ). وهنا ثلاث جمل : جملة الأمر بالذكر ،
__________________
(١) سورة لقمان : ٣١ / ١٤.