وعن الثاني : أنه على سبيل المشاكلة ، أو لكونه قد ساق الصداق إليها ، وقد تقدّم ذكر ذلك.
وعن الثالث : أنه لا إلباس فيه ، وهو من باب الالتفات ، إذ فيه خروج من خطاب إلى غيبة ، وإنما قلنا : لا إلباس فيه ، وأنه يتعين أن يكون الزوج ، لإجماع أهل العلم على أنه لا يجوز للأب أن يهب شيئا من مال ابنته لا لزوج ولا لغيره ، فكذلك المهر ، إذ لا فرق.
ويحتمل أن يكون قوله : (بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) على حذف مضاف أي : بيده حل عقدة النكاح ، كما قالوا في قوله : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) أي : على عقدة النكاح.
ولو فرضنا أن قوله : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) من المتشابه ، لوجب ردّه إلى المحكم. قال الله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (١) وقال تعالى : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) (٢) وقال : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا) (٣) الآية. فهذه الآية محكمة تدل على أن الولي لا دخول له في شيء من أخذ مال الزوجة ، ورجح أيضا أنه الزوج بأن عقدة النكاح كانت بيد الولي فصارت بيد الزوج ، وبأن العفو إنما يطلق على ملك الإنسان ، وعفو الولي عفو عنما لا يملك ، وبأن قوله : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ) يدل على أن الفضل في هبة الإنسان مال نفسه لا مال غيره.
وقرأ الحسن : أو يعفو ، بتسكين الواو ، فتسقط في الوصل لالتقائها ساكنة مع الساكن بعدها ، فإذا وقف أثبتها ، وفعل ذلك استثقالا للفتحة في حرف العلة ، فتقدر الفتحة فيها كما تقدّر في الألف في نحو : لن يخشى ، وأكثر العرب على استخفاف الفتحة في الواو والياء في نحو : لن يرمي ولن يغزو ، وحتى أن أصحابنا نصوا على أن إسكان ذلك ضرورة ، وقال :
فما سودتني عامر عن وراثة |
|
أبى الله أن أسمو بأمّ ولا أب |
قال ابن عطية : والذي عندي أنه استثقل الفتحة على واو متطرفة قبلها متحرك لقلة مجيئها في كلام العرب ، وقد قال الخليل ، رحمهالله : لم يجىء في الكلام واو مفتوحة متطرفة قبلها فتحة إلّا في قولهم : عفوة ، وهو جمع : عفو ، وهو ولد الحمار ، وكذلك الحركة ما كانت قبل الواو مفتوحة ، فإنها ثقيلة. انتهى كلامه.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٤.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٢٠.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٢٩.