وقوله : لقلة مجيئها في كلام العرب ، يعني مفتوحة مفتوحا ما قبلها ، هذا الذي ذكر فيه تفصيل ، وذلك أن الحركة قبلها إما أن تكون ضمة أو فتحة أو كسرة ، إن كانت ضمة فإما أن يكون ذلك في فعل أو اسم ، إن كان في فعل فليس ذلك بقليل ، بل جميع المضارع إذا دخل عليه الناصب ، أو لحقه نون التوكيد ، على ما أحكم في بابه ، ظهرت الفتحة فيه نحو : لن يغزو ، وهل يغزون ، والأمر نحو : اغزون ، وكذلك الماضي على فعل نحو : سرو الرجل ، حتى ما بني من ذوات الباء على فعل تقول فيه : لقضو الرجل ، ولرموت اليد ، وهو قياس مطرد على ما أحكم في بابه ؛ وإن كان في اسم فإما أن يكون مبنيا على هاء التأنيث ، أو لا. إن كان مبنيا على هاء التأنيث فجاء كثيرا نحو : عرقوة ، وترقوة ، وقمحدوه ، وعنصوة ، وتبنى عليه المسائل في علم التصريف ، وإن كانت الحركة فتحة فهو قليل ، كما ذكره الخليل ، وإن كانت كسرة انقلبت الواو فيه ياء ، نحو الغازي ، والغازية ، والعريقية ، وشذ من ذلك : أقروه جمع قرو ، وهي ميلغة الكلب ، و : سواسوة وهم : المستوون في الشر ، و : مقاتوه جمع مقتو ، وهو السايس الخادم.
والألف واللام في النكاح للعهد أي عقدة لها ، قال المغربي : وهذا على طريقة البصريين ، وقال غيره الألف واللام بدل الإضافة أي : نكاحه ، قال الشاعر :
لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم |
|
من الناس والأحلام غير عوازب |
أي : وأحلامهم ، وهذا على طريقة الكوفيين.
(وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى). هذا خطاب للزوج والزوجة ، وغلب المذكر ، قاله ابن عباس. وقال ابن عطية : خاطب تعالى الجميع تأدبا بقوله : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) أي : يا جميع الناس. انتهى كلامه.
والذي يظهر أنه خطاب للأزواج فقط ، وقاله الشعبي ، إذ هم المخاطبون في صدر الآية ، فيكون ذلك من الالتفات ، إذ رجع من ضمير الغائب ، وهو الذي بيده عقدة النكاح على ما اخترناه في تفسيره ، إلى الخطاب الذي استفتح به صدر الآية ، وكون عفو الزوج أقرب للتقوى من حيث إنه كسر قلب مطلقته ، فيجبرها بدفع جميع الصداق لها ، إذ كان قد فاتها منه صحبته ، فلا يفوتها منه نحلته ، إذ لا شيء أصعب على النساء من الطلاق ، فإذا بذل لها جميع المهر لم تيأس من ردّها إليه ، واستشعرت من نفسها أنه مرغوب فيها ، فانجبرت بذلك.