لا يقبل الزيادة ولا النقص ، فلا يجوز أن يبنى منه أفعل التفضيل ، لأنه لا تفاضل فيه ، فتعين أن تكون الوسطى بمعنى الأخير والأعدل ، لأن ذلك معنى يقبل التفاوت ، وخصت الصلاة الوسطى بالذكر ، وان كانت قد اندرجت في عموم الصلوات قبلها ، تنبيها على فضلها على غيرها من الصلوات ، كما نبه على فضل جبريل وميكال في تجريدهما بالذكر في قوله : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) (١) وعلى فضل من ذكر وجرد من الأنبياء بعد قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) (٢) الآية ، وعلى فضل النخل والرمان في قوله : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) (٣) وقد تكلمنا على هذا النوع من الذكر في قوله : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) (٤).
وكثر اختلاف العلماء ، من الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم ، في المراد بالصلاة الوسطى ، ولهذا قال سعيد بن المسيب : كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الصلاة الوسطى هكذا ، وشبك بين أصابعه.
والذي تلخص فيه أقوال :
أحدها : أنها العصر ، قاله عليّ ، وابن مسعود ، وأبو أيوب ، وابن عمر في رواية ، وسمرة بن جندب ، وأبو هريرة ، وابن عباس في رواية عطية ، وأبو سعيد الخدري ، وعائشة في رواية ، وحفصة ، والحسن بن المسيب ، وابن جبير ، وعطاء في رواية ، وطاووس ، والضحاك ، والنخعي ، وعبيد بن حميد ، وذر بن حبيش ، وقتادة ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، والشافعي في قول ، وعبد الملك بن حبيب ، من أصحاب مالك ، وهو اختيار الحافظ أبي بكر بن العربي في كتابه المسمى (بالقبس في شرح موطأ مالك بن أنس) واختيار أبي محمد بن عطية في تفسيره ، وقد استفاض من الحديث الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال يوم الأحزاب : «شغلونا عن الصلاة الوسطى ، صلاة العصر ، ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا». وقال عليّ : كنا نراها الصبح حتى قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذلك ، فعرفنا أنها العصر.
وروى أبو مالك الاشعري ، وسمرة بن جندب : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر ، وفي مصحف عائشة ، وإملاء حفصة : والصلاة الوسطى وهي العصر ، ومن روى : وصلاة العصر ، أول على أنه عطف إحدى الصفتين على الأخرى.
__________________
(١ ـ ٤) سورة البقرة : ٢ / ٩٨.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٧.
(٣) سورة الرحمن : ٥٥ / ٦٨.