تستتر منهم». فأخبر صلىاللهعليهوسلم عن نزول السكينة مرة ، ومرة عن نزول الملائكة ، ودل حديث أسيد على أن نزول السكينة في حديث عمران هو على مضاف ، أي : تلك أصحاب السكينة ، وهم الملائكة المخبر عنهم في حديث أسيد ، وجعلوا ذوي السكينة لأن إيمانهم في غاية الطمأنينة ، وطواعيتهم دائمة لا يعصون الله ما أمرهم ، وقد جاء في (الصحيح): «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلّا نزلت عليهم السكينة. وحفتهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده».
فنزول السكينة عليهم كناية عن التباسهم بطمأنينة الإيمان ، واستقرار ذلك في قلوبهم ، لأن من تلا كتاب الله وتدارسه يحصل له بالتدبر في معانيه. والتفكر في أساليبه ، ما يطمئن إليه قلبه ، وتستقر له نفسه ، وكأنه كان قبل التلاوة له والدراسة خاليا من ذلك ، فحين تلا نزل ذلك عليه.
وقد قال بهذا المعنى بعض المفسرين ، قال قتادة السكينة هنا الوقار. وقال عطاء : ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها ، وقال نحوه الزجاج.
وقال الزمخشري : التابوت صندوق التوراة ، كان موسى عليهالسلام إذا قاتل قدمه فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون ، والسكينة : السكون والطمأنينة ، وذكر عن عليّ أن السكينة لها وجه كوجه الإنسان ، وهي ريح هفافة ، وقيل : السكينة صورة من زبرجد أو ياقوت ، لها رأس كرأس الهر ، وذنب كذنبه ، وجناحان ، فتئن فيزف التابوت نحو العدو ، وهم يمضون معه ، فإذا استقر ثبتوا وسكنوا ، ونزل النصر. وقيل : بالسكينة بشارات من كتب الله المنزلة على موسى وهارون ومن بعدهما من الأنبياء ، فإن الله ينصر طالوت وجنوده ، ويقال : جعل تعالى سكينة بني إسرائيل في التابوت الذي فيه رضاض الألواح ، والعصا ، وآثار أصحاب نبوتهم ، وجعل تعالى سكينة هذه الأمة في قلوبهم ، وفرق بين مقر تداولته الأيدي ، قد فر مرة ، وغلب عليه مرة ، وبين مقربين أصبعين من أصابع الرحمن.
وقرأ أبو السماك : سكينة ، بتشديد الكاف وارتفاع سكينة ، بقوله : فيه ، وهو في موضع الحال ، أي : كائنا فيه سكينة. و : من ، لابتداء الغاية ، أي : كائنة من ربكم ، فهو في موضع الصفة ، أو متعلقا بما تعلق به قوله : فيه ، ويحتمل أن يكون للتبعيض على تقدير حذف مضاف ، أي : من سكينات ربكم.
والبقية ؛ قيل : رضاض الألواح التي تكسرت حين ألقاها موسى على نبينا وعليه