المعجز ، وهو سبب لاستقرار قلوبهم ، واطمئنان نفوسهم ؛ ونسبة الإتيان إلى التابوت مجاز لأن التابوت لا يأتي ، إنما يؤتى به ، كقوله : (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) (١) (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) (٢).
وقرأ الجمهور : التابوت بالتاء ؛ وقرأ أبيّ وزيد : بالهاء ، وهي لغة الأنصار ، وقد تقدم الكلام في هذه الهاء أهي بدل من التاء؟ أم أصل؟ قال ابن عباس ، وابن السائب : كان التابوت من عود الشمشار ، وهو خشب تعمل منه الأمشاط ، وعليه صفائح الذهب ، وقيل : كانت الصفائح مموّهة بالذهب ، وكان طوله ثلاثة أذرع في ذراعين ، وقد كثر القصص في هذا التابوت والاختلاف في أمره ، والذي يظهر أنه تابوت معروف حاله عند بني إسرائيل ، كانوا قد فقدوه وهو مشتمل على ما ذكره الله تعالى مما أبهم حاله ، ولم ينص على تعيين ما فيه ، وأن الملائكة تحمله ، ونحن نلم بشيء مما قاله المفسرون والمؤرخون على سبيل الإيجاز ، فذكروا : أن الله تعالى أنزل تابوتا على آدم فيه صور الأنبياء ، وبيوت بعددهم ، وآخره بيت محمد صلىاللهعليهوسلم ، فتناقله بعده ، أولاده شيث فمن بعده إلى ابراهيم ، ثم كان عند إسماعيل ، ثم عند ابنه قيدار ، فنازعه إياه بنو عمه أولاد إسحاق ، وقالوا له : وقد صرفت النبوّة عنكم إلّا هذا النور الواحد ، فامتنع عليهم ، وجاء يوما يفتحه فتعسر ، فناداه مناد من السماء لا يفتحه إلّا نبي ، فادفعه إلى ابن عمك يعقوب ، فحمله على ظهره إلى كنعان ، فدفعه ليعقوب ، فكان في بني إسرائيل إلى أن وصل إلى موسى عليهالسلام ، فوضع فيه التوراة ومتاعا من متاعه ، ثم توارثها أنبياء بني إسرائيل إلى أن وصل إلى شمويل ، فكان فيه ما ذكره الله في كتابه.
وقيل : اتخذ موسى التابوت ليجمع فيه رضاض الألواح.
والسكينة : هي الطمأنينة ولما كانت حاصلة بإتيان التابوت ، جعل التابوت ظرفا لها ، وهذا من المجاز الحسن ، وهو تشبيه المعاني بالإحرام ، وجاء في حديث عمران بن حصين أنه كان يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوطة ، فغشيته سحابة ، فجعلت تدور وتدنو ، وجعل فرسه ينفر منها ، فلما أصبح أتى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فذكر ذلك له فقال : «تلك السكينة تنزلت للقرآن».
وفي حديث أسيد بن حضير ، بينما هو ليلة يقرأ في مربده الحديث ، وفيه : فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تلك الملائكة كانت تسمع لذلك ، ولو قرأت لأصبحت تراها الناس ما
__________________
(١) سورة محمد : ٤٧ / ٢١.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٦.