وهارون ، فيكونه في التنصيص عليهما ذاتهما تفخيم لشأنهما ، وكان ذلك مقحما لأنه لو قيل : مما ترك موسى وهارون لاكتفى ، وكان ظاهر ذلك أنهما أنفسهما ، تركا ذلك وورث عنهما.
(تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) وقرأ مجاهد : يحمله ، بالياء من أسفل ، والضمير يعود على التابوت ، وهذه الجملة حال من التابوت ، أي حاملا له الملائكة ، ويحتمل الاستئناف ، كأنه قيل : ومن يأتي به وقد فقد؟ فقال : (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) استعظاما لشأن هذه الآية العظيمة ، وهو أن الذي يباشر إتيانه إليكم الملائكة الذين يكونون معدين للأمور العظام ، ولهم القوّة والتمكين والإطلاع باقدار الله لهم على ذلك ، ألا ترى إلى تلقيهم الكتب الإلهية وتنزيلهم بها على من أوحي إليهم ، وقلبهم مدائن العصاة ، وقبض الأرواح ، وإزجاء السحاب ، وحمل العرش ، وغير ذلك من الأمور الخارقة ، والمعنى : تحمله الملائكة إليكم.
قال ابن عباس : جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض ، وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت.
قال وهب : قالوا لنبيهم : انعت وقتا تأتينا به! فقال : الصبح ، فلم يناموا ليلتهم حتى سمعوا حفيف الملائكة بين السماء والأرض.
وقال قتادة : كان التابوت في التيه خلفه موسى عند يوشع ، فبقي هناك ولم يعلم به بنو إسرائيل ، فحملته الملائكة حتى وضعته في دار طالوت ، فأقروا بملكه. قال ابن زيد : غير راضين ، وقيل : سبى التابوت أهل الأردن ، قرية من قرى فلسطين ، وجعلوه في بيت صنم لهم تحت الصنم ، فأصبح الصنم تحت التابوت ، فسمروا قدمي الصنم على التابوت ، فأصبح وقد قطعت يداه ورجلاه ملقى تحت التابوت ، وأصنامهم منكسة ، فوضعوه في ناحية من مدينتهم فأخذ أهلها وجع في أعناقهم وهلك أكثرهم ، فدفنوه بالصحراء في متبرّز لهم ، فكان من تبرز هناك أخذه الناسور والقولنج ، فتحيروا ، وقالت امرأة من أولاد الأنبياء من بني إسرائيل : ما تزالون ترون ما تكرهون ما دام هذا التابوت فيكم! فاخرجوه عنكم! فحملوا التابوت على عجلة ، وعلقوا بها ثورين أو بقرتين ، وضربوا جنوبهما ، فوكل الله أربعة من الملائكة يسوقونهما ، فما مرّ التابوت بشيء من الأرض إلّا كان مقدّسا ، إلى أرض بني إسرائيل ، وضع التابوت في أرض فيها حصاد بني إسرائيل ، ورجعا إلى أرضهما ، فلم يرع بني إسرائيل إلّا التابوت ، فكبروا وحمدوا الله على تمليك طالوت ، فذلك قوله : (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ).