وقرأ الجمهور : بنهر ، بفتح الهاء. وقرأ مجاهد ، وحميد الأعرج ، وأبو السماك ، وغيرهم : بإسكان الهاء في جميع القرآن.
وظاهر قول طالوت : ان الله يوحي ، إمالة على قول من قال : إنه نبي ، أو يوحي إلى نبيهم ، وإخبار النبي طالوت بذلك قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون هذا مما ألهم الله طالوت إليه ، فجرت به جنده ، وجعل الإلهام ابتلاء من الله لهم ، ومعنى هذا الابتلاء اختبارهم ، فمن ظهرت طاعته في ترك الماء علم أنه يطيع ، فيما عدا ذلك ، ومن غلبته شهوته في الماء ، وعصى الأمر فهو بالعصيان في الشدائد أحرى. انتهى كلامه. وبعد أن يخبر طالوت عن ما خطر بباله بأنه قول الله ، على طريق الجزم عن الله.
(فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) أي : ليس من أتباعي في هذه الحرب ، ولا أشياعي ، ولم يخرجهم بذلك عن الإيمان نحو : «من غشنا فليس منا» ، «ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود» ، أو : ليس بمتصل بي ومتحد معي ، من قولهم : فلان مني كأنه بعضه ، لاختلاطهما واتحادهما قال النابغة :
إذا حاولت في أسد فجورا |
|
فإني لست منك ولست مني |
(وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) أي : من لم يذقه ، وطعم كل شيء ذوقه ، ومنه التطعم ، يقال : تطعمت منه أي : ذقته ، وتقول العرب لمن لا تميل نفسه إلى مأكول ، تطعم منه يسهل أكله ، قال ابن الانباري : العرب تقول : أطعمتك الماء تريد أذقتك ، وطعمت الماء أطعمه بمعنى ذقته قال الشاعر :
فإن شئت حرمت النساء عليكم |
|
وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا |
النقاخ : العذب ، والبرد : النوم ، ويقال : ما ذقت غماضا. وفي حديث أبي ذر. «في ماء زمزم. طعام طعم» وفي الحديث : «ليس لنا طعام إلّا الأسودين : التمر والماء». والطعم يقع على الطعام والشراب ، واختير هذا اللفظ لأنه أبلغ ، لأن نفي الطعم يستلزم نفي الشرب ، ونفي الشرب لا يستلزم نفي الطعم ، لأن الطعم ينطلق على الذوق ، والمنع من الطعم أشق في التكليف من المنع من الشرب ، إذ يحصل بإلقائه في الفم ، وإن لم يشربه ، نوع راحة.
وفي قوله : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) دلالة على ان الماء طعام ، وقد تقدّم أيضا ما يدل على ذلك.