والمصدر الذي هو : دفع ، أو : دفاع ، مضاف إلى الفاعل ، وبعضهم بدل من الناس ، وهو بدل بعض من كل ، والباء في : ببعض ، متعلق بالمصدر والباء فيه للتعدية فهو مفعول ثان للمصدر ، لأن دفع يتعدى إلى واحد ثم عدى إلى ثان بالباء ، وأصل التعدية بالباء ، وأصل التعدية بالباء أن يكون ذلك في الفعل اللازم : نحو : (لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ) (١) فإذا كان متعديا فقياسه أن يعدى بالهمزة ، تقول : طعم زيد اللحم ، ثم تقول أطعمت زيدا اللحم ، ولا يجوز أن تقول : طعمت زيدا باللحم ، وإنما جاء ذلك قليلا بحيث لا ينقاس ، من ذلك : دفع ، وصك ، تقول : صك الحجر الحجر ، وتقول : صككت الحجر بالحجر ، أي جعلته يصكه. وكذلك قالوا : صككت الحجرين أحدهما بالآخر نظير : (دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) فالباء للتعدية كالهمزة.
قال سيبويه ، وقد ذكر التعدية بالهمزة والتضعيف ما نصه : وعلى ذلك دفعت الناس بعضهم ببعض ، على حد قولك : ألزمت ، كأنك قلت في التمثيل : أدفعت ، كما أنك تقول : أذهبت به ، وأذهبته من عندنا ، وأخرجته ، وخرجت به معك ، ثم قال سيبويه : صككت الحجرين أحدهما بالآخر على أنه مفعول من قولك : اصطك الحجران أحدهما بالأخر ، ومثل ذلك : ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض. انتهى كلام سيبويه.
ولا يبعد في قولك : دفعت بعض الناس ببعض ، أن تكون الباء للآلة ، فلا يكون المجرور بها مفعولا به في المعنى ، بل الذي يكون مفعولا به هو المنصوب ، وعلى قول سيبويه يكون المنصوب مفعولا به في اللفظ فاعلا من جهة المعنى وعلى أن تكون الباء للآلة يصح نسبة الفعل إليها على سبيل المجاز ، كما أنك تقول في : كتبت بالقلم ، كتبت القلم. وأسند الفساد إلى الأرض حقيقة : بالخراب ، وتعطيل المنافع ، أو مجازا : والمراد أهلها.
(وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) وجه الاستدراك هنا هو أنه لما قسم الناس إلى مدفوع به ومدفوع ، وانه بدفعه بعضهم ببعض امتنع فساد ارض ، فيهجس في نفس من غلب وقهر عن ما يريد من الفساد في الأرض أن الله تعالى ، غير متفضل عليه ، إذ لم يبلغه مقاصده ومآربه ، فاستدرك أنه ، وإن لم يبلغ مقاصده هذا الطالب للفساد أن الله لذو فضل عليه ،
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٠.