ويحسن إليه. واندرج في عموم العالمين ، وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) (١) وما من أحد إلّا ولله عليه فضل ، ولو لم يكن إلّا فضل الاختراع.
وهذا الذي أبديناه من فائدة الاستدراك هو على ما قرره أهل العلم باللسان من أن : لكن ، تكون بين متنافيين بوجه ما ويتعلق على العالمين بفضل ، لأن فعله يتعدى : بعلى ، فكذلك المصدر ، وربما حذفت : على ، مع الفعل ، تقول : فضلت فلانا أي على فلان ، وجمع بين الحذف والإثبات في قول الشاعر :
وجدنا نهشلا فضلت فقيما |
|
كفضل ابن المخاض على الفصيل |
وإذا عدى إلى مفعول به بالتضعيف لزمت عليه ، كقوله : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ) (٢).
(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) تلك إشارة للبعيد ، وآيات الله قيل : هي القرآن ، والأظهر أنها الآيات التي تقدمت في القصص السابق من خروج أولئك الفارين من الموت ، وإماتة الله لهم دفعة واحدة ، ثم أحياهم إحياءة واحدة ، وتمليك طالوت على بني إسرائيل وليس من أولاد ملوكهم ، والإتيان بالتابوت بعد فقده مشتملا على بقايا من إرث آل موسى وآل هارون ، وكونه تحمله الملائكة معاينة على ما نقل عن ترجمان القرآن ابن عباس ، وذلك الابتلاء العظيم بالنهر في فصل القيظ والسفر ، وإجابة من توكل على الله في النصرة ، وقتل داود جالوت ، وإيتاء الله إياه الملك والحكمة ، فهذه كلها آيات عظيمة خوارق ، تلاها الله على نبيه بالحق أي مصحوبة بالحق لا كذب فيها ولا انتحال ، ولا بقول كهنة ، بل مطابقا لما في كتب بني إسرائيل. ولأمّة محمد صلىاللهعليهوسلم من هذا القصص الحظ الأوفر في الاستنصار بالله والإعداد للكفار ، وأن كثرة العدد قد يغلبها العقل ، وأن الوثوق بالله والرجوع إليه هو الذي يعوّل عليه في الملمات ، ولما ذكر تعالى أنه تلا الآيات على نبيه ، أعلم أنه من المرسلين ، وأكد ذلك بان واللام حيث أخبر بهذه الآية ، من غير قراءة كتاب ، ولا مدارسة أحبار ، ولا سماع أخبار.
وتضمنت الآيات الكريمة أخبار بني إسرائيل حيث استفيدوا تمليك طالوت عليهم أن لذلك آية تدل على تملكيه ، وهو أن التابوت الذي فقدتموه يأتيكم مشتملا على ما كان فيه من السكينة والبقية المخلفة عن آل موسى وآل هارون ، وأن الملائكة تحمله ، وان في ذلك
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٤٣.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٩٥.