بعض ، وأتى : بتلك ، التي للواحدة المؤنثة ، وإن كان المشار إليه جمعا ، لأنه جمع تكسير ، وجمع التكسير حكمه حكم الواحدة المؤنثة في الوصف ، وفي عود الضمير ، وفي غير ذلك ، وكان جمع تكسير هنا لاختصار اللفظ ، ولإزالة قلق التكرار ، لأنه لو جاء : أولئك المرسلون فضلنا ، كان اللفظ فيه طول ، وكان فيه التكرار. والالتفات في : نتلوها ، وفي : فضلنا ، لأنه خروج إلى متكلم من غائب ، إذ قبله ذكر لفظ : الله ، وهو لفظ غائب.
والتضعيف في : فضلنا ، للتعدية ، و : على بعض ، متعلق بفضلنا ، قيل : والتفضيل بالفضائل بعد الفرائض أو الشرائع على غير ذي الشرائع ، أو بالخصائص كالكلام.
وقال الزمخشري : (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) لما أوجب ذلك من تفاضلهم في الحسنات. انتهى. وفيه دسيسة اعتزالية.
ونص تعالى في هذه الآية على تفضيل بعض الأنبياء على بعض في الجملة دون تعيين مفضول. وهكذا جاء في الحديث : «أنا سيد ولد آدم». وقال : «لا تفضلوني على موسى» وقال : «لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى».
(مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) قرأ الجمهور بالتشديد ورفع الجلالة ، والعائد على : من ، محذوف تقديره من كلمه وقرىء بنصب الجلالة والفاعل مستتر في : كلم ، يعود على : من ، ورفع الجلالة أتم في التفضيل من النصب ، إذ الرفع يدل على الحضور والخطاب منه تعالى للمتكلم ، والنصب يدل على الحضور دون الخطاب منه. وقرأ أبو المتوكل ، وأبو نهشل ، وابن السميفع : كالم الله بالألف ونصب الجلالة من المكالمة ، وهي صدور الكلام من اثنين ، ومنه قيل : كليم الله أي مكالمه فعيل بمعنى مفاعل : كجليس وخليط. وذكر التفضيل بالكلام وهو من أشرف تفضيل حيث جعله محلا لخطابه ومناجاته من غير سفير ، وتضافرت نصوص المفسرين هنا على أن المراد بالمكلم هنا هو موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، وقد سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن آدم : أنبي مرسل؟ فقال : «نعم نبي مكلم». وقد صح في حديث الإسراء حيث ارتقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى مقام تأخر عنه فيه جبريل ، أنه جرت بينه صلىاللهعليهوسلم وبين ربه تعالى مخاطبات ومحاورات ، فلا يبعد أن يدخل تحت قوله : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) : موسى وآدم ومحمد صلىاللهعليهوسلم ، لأنه قد ثبت تكليم الله لهم.
وفي قوله : (كَلَّمَ اللهُ) التفات ، إذ هو خروج إلى ظاهر غائب من ضمير متكلم ، لما