أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو ، أو : على أنه مبتدأ والخبر : لا تأخذه ، وأجودها الوصف ، ويدل عليه قراءة من قرأ : الحيّ القيوم بالنصب ، فقطع على إضمار : أمدح ، فلو لم يكن وصفا ما جاز فيه القطع ، ولا يقال : في هذا الوجه الفصل بين الصفة والموصوف بالخبر ، لأن ذلك جائز حسن ، تقول : زيد قائم العاقل.
(لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) يقال : وسن سنة ووسنا ، والمعنى : أنه تعالى لا يغفل عن دقيق ولا جليل ، عبر بذلك عن الغفلة لأنه سببها ، فأطلق اسم السبب على المسبب قال ابن جرير : معناه لا تحله الآفات والعاهات المذهلة عن حفظ المخلوقات ، وأقيم هذا المذكور من الآفات مقام الجميع ، وهذا هو مفهوم الخطاب ، كما قال تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) (١) وقيل : نزه نفسه عن السنة والنوم لما فيها من الراحة ، وهو تعالى لا يجوز عليه التعب والاستراحة. وقيل : المعنى لا يقهره شيء ولا يغلبه ، وفي المثل : النوم سلطان. قال الزمخشري : وهو تأكيد للقيوم ، لأن من جاز عليه ذلك استحال أن يكون قيوما. ومنه حديث موسى أنه سأل الملائكة ، وكان ذلك من قومه كطلب الرؤية : أينام ربّنا؟ فأوحى الله إليهم أن يوقظوه ثلاثا ولا تتركوه ينام. ثم قال : خذ بيدك قارورتين مملوؤتين ، فأخذهما ، وألقى الله عليه ، النعاس ، فضرب إحداهما على الأخرى فانكسرتا ، ثم أوحى إليه : قل لهؤلاء إني أمسك السموات والأرض بقدرتي ، فلو أخذني نوم أو نعاس لزالتا. انتهى. هكذا أورد الزمخشري هذا الخبر ، وفيه أنه سأل الملائكة ، وكان ذلك يعني السؤال من قومه ، كطلب الرؤية ، يعني أن طلب الرؤية هو عنده من باب المستحيل ، كما استحال النوم في حقه تعالى ، وهذا من عادته في نصرة مذهبه ، يذكره حيث لا تكون الآية تتعرض لتلك المسألة.
وأورد غيره هذا الخبر عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحكي عن موسى عليهالسلام على المنبر ، قال وقع في نفس موسى : هل ينام الله؟ وساق الخبر قريبا من معنى ما ذكره الزمخشري.
قال بعض معاصرينا : هذا حديث وضعه الحشوية ، ومستحيل أن سأل موسى ذلك عن نفسه أو عن قومه ، لأن المؤمن لا يشك في أن الله ينام أو لا ينام ، فكيف الرسل؟ انتهى كلامه.
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٢٣.