الذي قالوا يكون : ذا ، اسم إشارة ، وفي ذلك بعد ، لأن : ذا ، إذا كان اسم إشارة وكان خبرا عن : من ، استقلت بهما الجملة ، وأنت ترى احتياجها إلى الموصول بعدها.
والذي يظهر أن : من ، الاستفهامية ركب معها : ذا ، وهو الذي يعبر عنها بعض النحويين أن : ذا ، لغو ، فيكون : من ذا ، كله في موضع رفع بالابتداء ، والموصول بعدهما هو الخبر ، إذ به يتم معنى الجملة الابتدائية ، و : عنده ، معمول : ليشفع ، وقيل : يجوز أن يكون حالا من الضمير في يشفع ، فيكون التقدير : يشفع مستقرا عنده ، وضعف بأن المعنى على يشفع إليه. وقيل : الحال أقوى لأنه إذا لم يشفع من هو عنده وقريب منه ، فشفاعة غيره أبعد ، و : بإذنه ، متعلق : بيشفع ، والباء للمصاحبة ، وهي التي يعبر عنها بالحال ، أي : لا أحد يشفع عنده إلّا مأذونا له.
(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) الضمير يعود على : ما ، وهم الخلق ، وغلب من يعقل ، وقيل : الضميران في : أيديهم وخلفهم ، عائدان على كل من يعقل ممن تضمنه قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) قاله ابن عطية ، وجوّز ابن عطية أن يعود على ما دل عليه : من ذا ، من الملائكة والأنبياء. وقيل : على الملائكة ، قاله مقاتل ، و : ما بين أيديهم ، أمر الآخرة ، و : ما خلفهم ، أمر الدنيا. قاله ابن عباس ، وقتادة ، أو العكس قاله مجاهد ، وابن جريح ، والحم بن عتبة ، والسدّي وأشياخه.
و : ما بين أيديهم ، هو ما قبل خلقهم ، و : ما خلفهم ، هو ما بعد خلقهم ، أو : ما بين أيديهم ، ما أظهروه ، و : ما خلفهم ، ما كتموه. قاله الماوردي ، أو : ما بين أيديهم ، من السماء إلى الأرض ، و : ما خلفهم ، ما في السموات. أو : ما بين أيديهم ، الحاضر من أفعالهم وأحوالهم ، و : ما خلفهم ، ما سيكون. أو : عكسه ، ذكر هذين القولين تاج القرّاء في تفسيره.
أو : ما بين أيدي الملائكة من أمر الشفاعة ، وما خلفهم من أمر الدنيا أو بالعكس قاله مجاهد. أو ما فعلوه وما هم فاعلوه ، قاله مقاتل.
والذي يظهر أن هذا كناية عن إحاطة علمه تعالى بسائر المخلوقات من جميع الجهات وكنى بهاتين الجهتين عن سائر جهات من أحاط علمه به ، كما تقول : ضرب زيد الظهر والبطن ، وأنت تعني بذلك جميع جسده ، واستعيرت الجهات لأحوال المعلومات ،