(وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) قرأ الجمهور : يؤوده بالهمز ، وقرىء شاذا بالحذف ، كما حذفت همزة أناس ، وقرىء أيضا : يووده ، بواو مضمومة على البدل من الهمزة أي : لا يشقه ، ولا يثقل عليه ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، وغيرهم. وقال ابان بن تغلب : لا يتعاظمه حفظهما ، وقيل : لا يشغله حفظ السموات عن حفظ الأرضين ، ولا حفظ الأرضين عن حفظ السموات.
والهاء تعود على الله تعالى ، وقيل : تعود على الكرسي ، والظاهر الأول لتكون الضمائر متناسبة لواحد ولا تختلف ، ولبعد نسبة الحفظ إلى الكرسي.
(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) عليّ في جلاله ، عظيم في سلطانه. وقال ابن عباس : الذي كمل في عظمته ، وقيل : العظيم المعظّم ، كما يقال : العتيق في المعتق ، قال الأعشى :
وكأنّ الخمر العتيق من الاس |
|
فنط ممزوجة بماء زلال |
وأنكر ذلك لانتفاء هذا الوصف قبل الخلق وبعد فنائهم ، إذ لا معظم له حينئذ ، فلا يجوز هذا القول. وقيل : والجواب أنها صفة فعل : كالخلق والرزق ، فلا يلزم ما قالوه. وقيل : العلي الرفيع فوق خلقه ، المتعالي عن الأشباه والأنداد ، وقيل : العالي من : علا يعلو : ارتفع ، أي : العالي على خلقه بقدرته ، والعظيم ذو العظمة الذي كل شيء دونه ، فلا شيء أعظم منه. قال الماوردي : وفي الفرق بين العلي والعالي وجهان : أحدهما : ان العالي هو الموجود في محل العلو ، والعلي هو مستحق للعلو. الثاني : أن العالي هو الذي يجوز أن يشارك ، والعلي هو الذي لا يجوز أن يشارك ، فعلى هذا الوجه يجوز أن يوصف الله بالعليّ لا بالعالي ، وعلى الأول يجوز أن يوصف بهما ، وقيل : العلي : القاهر الغالب للأشياء ، تقول العرب : علا فلان فلانا غلبه وقهره. قال الشاعر :
فلما علونا واستوينا عليهم |
|
تركناهم صرعى لنسر وكاسر |
ومنه (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) (١) وقال الزمخشري : العلي الشأن العظيم الملك والقدرة. انتهى. وقال قوم : العلي عن خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه. قال ابن عطية : وهذا قول جهلة مجسمين ، وكان الوجه أن لا يحكى. وقال أيضا : العلي يراد به علو القدر والمنزلة ، لا علو المكان ، لأن الله منزه عن التحيز. انتهى.
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٤.