قال الزمخشري : فإن قلت : كيف ترتبت الجمل في آية الكرسي من غير حرف عطف؟
قلت : ما منها جملة إلّا وهي واردة على سبيل البيان لما ترتبت عليه ، والبيان متحد بالمبين ، فلو توسط بينهما عطف لكان كما تقول العرب : بين العصا ومحائها ، فالأولى : بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه ؛ والثانية : لكونه مالكا لما يدبره. والثالثة : لكبرياء شأنه ، والرابعة : لإحاطته بأحوال الخلق وعلمه بالمرتضى منهم المستوجب للشفاعة وغير المرتضى. والخامسة : لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها ، أو : بجلاله وعظيم قدره. انتهى كلامه.
وتضمنت هذه الآية الكريمة صفات الذات ، منها : الوحدانية ، بقوله : لا إله إلا هو ، والحياة ، الدالة على البقاء بقوله : الحي ، و : القدرة ، بقوله : القيوم ، واستطرد من القيومية لانتفاء ما يؤول إلى العجز ، وهو ما يعرض للقادر غيره تعالى من الغفلة والآفات ، فينتفي عنه وصفه بالقدرة إذ ذاك ، واستطرد من القيومية الدالة على القدرة إلى ملكه وقهره وغلبته لما في السموات والأرض ، إذ الملك آثار القدرة ، إذ للمالك التصرف في المملوك. و : الارادة ، بقول : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) فهذا دال على الإختيار والإرادة ، و : العلم بقوله : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) ثم سلب عنهم العلم ، إلّا أن أعلمهم هو تعالى ، فلما تكملت صفات الذات العلا ، واندرج معها شيء من صفات الفعل وانتفى عنه تعالى أن يكون محلا للحوادث ، ختم ذلك بكونه : العلي القدر العظيم الشأن.
(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) ذكر في سبب نزولها أقوال مضمون أكثرها : أن بعض أولاد الأنصار تنصر ، وبعضهم تهوّد ، فأراد آباؤهم أن يكرهوهم على الإسلام ، فنزلت. وقال أنس : نزلت فيمن قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أسلم». فقال : أجدني كارها.
واختلف أهل العلم في هذه الآية : أهي منسوخة؟ أم ليست بمنسوخة؟ فقيل : هي منسوخة ، وهي من آيات الموادعة التي نسختها آية السيف ، وقال قتادة ، والضحاك : هي محكمة خاصة في أهل الكتاب الذين يبذلون الجزية ، قالا : أمر بقتال أهل الأوثان لا يقبل منهم إلّا الإسلام أو السيف ، ثم أمر فيمن سواهم أن يقبل الجزية. ومذهب مالك : أن الجزية تقبل من كل كافر سوى قريش ، فتكون الآية خاصة فيمن أعطى الجزية من الناس كلهم لا يقف ذلك على أهل الكتاب. وقال الكلبي : لا إكراه بعد إسلام العرب ، ويقبل