(أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) الظاهر أن الضمير في : آتاه ، عائد على : الذي حاج ، وهو قول الجمهور ، و : أن آتاه ، مفعول من أجله على معنيين : أحدهما : أن الحامل له على المحاجة هو ايتاؤه الملك ، أبطره وأورثه الكبر والعتوّ ، فحاج لذلك. والثاني : أنه وضع المحاجة موضع ما وجب عليه من الشكر لله تعالى على ايتائه الملك ، كما تقول : عاداني فلان لأني أحسنت إليه ، تريد أنه عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لأجل الإحسان. ومنه : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (١) وأجاز الزمخشري أن يكون التقدير : حاج وقت أن آتاه الله الملك ، فإن عنى أن ذلك على حذف مضاف ، فيمكن ذلك على أن فيه بعدا من جهة أن المحاجة لم تقع وقت أن آتاه الله الملك. إلّا أن يجوز في الوقت ، فلا يحمل على ما يقتضيه الظاهر من أنه وقت ابتداء إيتاء الله الملك له ، ألا ترى أن إيتاء الله الملك إياه سابق على الحاجة وإن عنى أن : أن والفعل ، وقعت موقع المصدر الواقع موقع ظرف الزمان؟ كقولك : جئت خفوق النجم ، ومقدم الحاج ، وصياح الديك؟ فلا يجوز ذلك ، لأن النحويين مضوا على أنه لا يقوم مقام ظرف الزمان إلا المصدر المصرح بلفظه ، فلا يجوز : أجىء أن يصيح الديك ، ولا جئت أن صاح الديك. وقال المهدوي : يحتمل أن يعود الضمير على إبراهيم : أي آتاه ملك النبوّة. قال ابن عطية : وهذا تحامل من التأويل. انتهى. وما ذكره المهدوي احتمالا هو قول المعتزلة ، قالوا : الهاء كناية عن إبراهيم لا عن الكافر الذي حاجه ، لأن الله تعالى قال : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٢) والملك عهد منه ، وقال تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٣) ورد قول المعتزلة بأن إبراهيم ما عرف بالملك ، وبقول الكافر : أنا أحيي وأميت ، ولو كان إبراهيم الملك لما كان يقدر على محاجته في مثل هذه الحالة ، وبأنه لما قال : أنا أحيي وأميت ، جاء برجلين فقتل أحدهما وترك الآخر ، ولو لم يكن ملكا لم يقتل بين يدي إبراهيم بغير إذنه ، إذ كان إبراهيم هو الملك ، ولا يردّ على المعتزلة بهذه الأوجه ، لأن إثبات ملك النبوّة لإبراهيم لا ينافي ملك الكافر ، لأنهما ملكان : أحدهما : بفضل الشرف في الدين كالنبوّة والإمامة. والآخر : بفضل المال والقوّة والشجاعة والقهر والغلبة والاتباع. وحصول الملك للكافر بهذا المعنى يمكن ، بل هو واقع مشاهد.
__________________
(١) سورة الواقعة : ٥٦ / ٨٢.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٢٤.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٥٤.