وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز أن يؤتي الله الملك الكافر؟
قلت : فيه قولان : آتاه ما غلب به وتسلط من المال والخدم والأتباع ، وأما التغليب والتسليط فلا ، وقيل : ملكه امتحانا لعباده. انتهى. وفيه نزعة اعتزالية ، وهو قوله : وأما التغليب والتسليط فلا ، لأنه عندهم هو الذي تغلب وتسلط ، فالتغليب والتسليط فعله لا فعل الله عندهم.
(إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) هذا من إبراهيم عن سؤال سبق من الكافر ، وهو أن قال : من ربك؟ وقد تقدّم في قصته شيء من هذا ، وإلّا فلا يبتدأ كلام بهذا.
واختص إبراهيم من آيات الله بالإحياء والإماتة لأنهما أبدع آيات الله وأشهرها ، وأدلها على تمكن القدرة ، والعامل في إذ حاجّ ، وأجاز الزمخشري أن يكون بدلا من : أن آتاه ، إذا جعل بمعنى الوقت ، وقد ذكرنا ضعف ذلك ، وأيضا فالظرفان مختلفان إذ وقت إيتاء الملك ليس وقت قوله : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) وفي قول إبراهيم : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) تقوية لقول من قال إن الضمير في قوله : في ربه ، عائد على إبراهيم.
و (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ، مبتدأ وخبر ، وفيه إشارة إلى أنه هو الذي أوجد الكافر ويحييه ويميته ، كأنه قال : ربي الذي يحيي ويميت هو متصرّف فيك وفي أشباهك بما لا تقدر عليه أنت ولا أشباهك من هذين الوصفين العظيمين المشاهدين للعالم اللذين لا ينفع فيهما حيل الحكماء ولا طب الأطباء ، وفيه إشارة أيضا إلى المبدأ والمعاد وفي قوله : (الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) دليل على الاختصاص لأنهم قد ذكروا أن الخبر ، إذا كان بمثل هذا ، دل على الاختصاص ، فتقول : زيد الذي يصنع كذا ، أي : المختص بالصنع.
(قالَ : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) لما ذكر إبراهيم أن ربه الذي يحيي ويميت عارضه الكافر بأنه يحيي ويميت ، ولم يقل : أنا الذي يحيي ويميت ، لأنه كان يدل على الاختصاص ، وكان الحس يكذبّه إذ قد حيي ناس قبل وجوده وماتوا ، وإنما أرادا أن هذا الوصف الذي ادعيت فيه الاختصاص لربك ليس كذلك ، بل أنا مشاركه في ذلك. قيل : أحضر رجلين ، قتل أحدهما وأرسل الآخر ، وقيل : أدخل أربعة نفر بيتا حتى جاعوا ، فأطعم اثنين فحييا ، وترك اثنين فماتا ، وقيل : أحيا بالمباشرة وإلقاء النطفة ، وأمات بالقتل.
وقرأ نافع بإثبات ألف : أنا إذا كان بعدها همزة مفتوحة أو مضمرة. وروى أبو نسيط