الله ، لأن ثمرة النفقة في سبيل الله إنما تظهر حقيقة يوم البعث : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) (١) واستدعاء النفقة في سبيل الله مذكر بالبعث ، وخاض على اعتقاده ، لأنه لو لم يعتقد وجوده لما كان ينفق في سبيل الله ، وفي تمثيل النفقة بالحبة المذكورة إشارة أيضا إلى البعث ، وعظيم القدرة ، إذ حبة واحدة يخرج الله منها سبعمائة حبة ، فمن كان قادرا على مثل هذا الأمر العجاب ، فهو قادر على إحياء الموات ، ويجامع ما اشتركا فيه من التغذية والنمو.
ويقال : لما ذكر المبدأ والمعاد ، ودلائل سحتها ، أتبع ذلك ببيان الشرائع والأحكام والتكاليف ، فبدأ بإنفاق الأموال في سبيل الله ، وأمعن في ذلك ، ثم انتقل إلى كيفية تحصيل الأموال بالوجه الذي جوز شرعا. ولما أجمل في ذكر التضعيف في قوله : (أَضْعافاً كَثِيرَةً) (٢) وأطلق في قوله : (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) (٣) فصل في هذه الآية ، وقيد بذكر المشبه به ، وما بين الآيات دلالة على قدرته على الإحياء والإماتة ، إذ لولا ذلك لم يحسن التكليف كما ذكرناه ، فهذه وجوه من المناسبة. والمثل هنا الصفة ، ولذلك قال : (كَمَثَلِ حَبَّةٍ) أي كصفة حبة ، وتقدير زيادة الكاف ، أو زيادة مثل. قول بعيد. وهذه الآية شبيهة في تقدير الحذف بقوله : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) (٤) فيحتمل أن يكون الحذف من الأول ، أي : مثل منفق الذين ، أو من الثاني : أي كمثل زارع ، حتى يصح التشبيه ، أو من الأول ومن الثاني باختلاف التقدير ، أي : مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ومنفقهم. كمثل حبة وزارعها. وقد تقدم الكلام في تقرير هذا الوجه في قصة الكافر والناعق ، فيطالع هناك.
وهذا المثل يتضمن التحريض على الإنفاق في سبيل الله جميع ما هو طاعة ، وعائد نفعه على المسلمين ، وأعظمها وأعناها الجهاد لإعلاء كلمة الله وقيل : المراد : بسبيل الله ، هنا الجهاد خاصة ، وظاهر الإنفاق في سبيل الله يقتضي الفرض والنفل ، ويقتضي الإنفاق على نفسه في الجهاد وغيره ، والإنفاق على غيره ليتقوى به على طاعة من جهاد أو غيره. وشبه الإنفاق بالزرع ، لأن الزرع لا ينقطع.
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٣٠.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٤٥.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٧١.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ١٧١.