في سبيل الله ، ثم يتبعها ما يبطلها ، وهو المنّ والأذى ، وقد تبين ذلك في الآية بعدها ، فهي موقوفة ، أعني : قبولها على شريطة ، وهو أن لا يتبعها منا ولا أذى.
وظاهر الآية يدل على أن المنّ والأذى يكونان من المنفق على المنفق عليه ، سواء كان ذلك الإنفاق في الجهاد على سبيل التجهيز أو الإعانة فيه ، أم كان في غير الجهاد. وسواء كان المنفق مجاهدا أم غير مجاهد.
وقال ابن زيد : هي في الذين لا يخرجون إلى الجهاد ، بل ينفقون وهم قعود. والآية قبلها في الذين يخرجون بأنفسهم وأموالهم ، ولذلك شرط على هؤلاء ولم يشرط على الأولين.
والأذى يشمل المن وغيره ، ونص على المن وقدم لكثرة وقوعه من المتصدّق ، فمن المن أن يقول : قد أحسنت إليك ونعشتك ، وشبهه. أو يتحدث بما أعطى ، فيبلغ ذلك المعطى ، فيؤذيه. ومن الأذى أن يسب المعطى ، أو يشتكي منه ، أو يقول : ما أشد إلحاحك ، و : خلصنا الله منك ، و : أنت أبدا تجيئني ، أو يكلفه الاعتراف بما أسدى إليه. وقيل : الأذى أن يذكر إنفاقه عليه عند من لا يحب وقوفه عليه. وقال زيد بن أسلم : إن ظننت أن سلامك يثقل على من أنفقت عليه ، تريد وجه الله ، فلا تسلم عليه. وقالت له : امرأة يا أبا اسامة؟ دلني على رجل يخرج في سبيل الله حقا ، فانهم إنما يخرجون الفواكه ، فإن عندي أسهما وجيعة. فقال لها : لا بارك الله في أسهمك وجيعتك ، فقد أذيتهم قبل أن تعطيهم.
(لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) تقدّم تفسير هذه الجملة فأغنى عن إعادته.
و (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) مبتدأ والجملة من قوله : (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) خبر ، ولم يضمن المبتدأ معنى اسم الشرط ، فلم تدخل الفاء في الخبر ، وكان عدم التضمين هنا لأن هذه الجملة مفسرة للجملة قبلها ، والجملة التي قبلها أخرجت مخرج الشيء الثابت المفروغ منه ، وهو نسبة إنفاقهم بالحبة الموصوفة ، وهي كناية عن حصول الأجر الكثير ، فجاءت هذه الجملة ، كذلك أخرج المبتدأ والخبر فيهما مخرج الشيء الثابت المستقر الذي لا يكاد خبره يحتاج إلى تعليق استحقاق بوقوع ما قبله ، بخلاف ما إذا دخلت الفاء فإنها مشعرة بترتب الخبر على المبتدأ ، واستحقاقه به.