وقيل : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) خبر مبتدأ محذوف تقديره : هم الذين ينفقون و (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) في موضع الحال ، وهذا ضعيف ، أعني : جعل لهم أجرهم في موضع الحال ، بل الأولى إذا أعرب : الذين ، خبر مبتدأ محذوف أن يكون : لهم أجرهم ، مستأنفا وكأنه جواب لمن قال : هل لهم أجر؟ وعند من أجرهم؟ فقيل (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وعطف : بثم ، التي تقتضي المهلة ، لأن من أنفق في سبيل الله ظاهرا لا يحصل منه غالبا المنّ والأذى ، بل إذا كانت بنية غير وجه الله تعالى ، لا يمنّ ولا يؤذي على الفور ، فذلك دخلت : ثم ، مراعاة للغالب. وإن حكم المن والأذى المتعقبين للإنفاق ، والمقارنين له حكم المتأخرين.
وقال الزمخشري : ومعنى : ثم ، إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى ، وأن تركهما خير من نفس الإنفاق ، كما جعل الاستقامة على الإيمان خيرا من الدخول فيه بقوله : (ثُمَّ اسْتَقامُوا) (١) انتهى كلامه.
وقد تكرر للزمخشري ادعاء هذا المعنى لثم ، ولا أعلم له في ذلك سلفا ، وقد تكلمنا قبل هذا معه في هذا المعنى ، و : ما ، من (ما أَنْفَقُوا) موصول عائده محذوف ، أي : أنفقوه ، ويجوز أن تكون مصدرية ، أي : إنفاقهم ، وثم محذوف ، أي : منّا على المنفق عليه ، ولا أذى له ، وبعد ما قاله بعضهم من أن ولا أذى من صفة المعطي ، وهو مستأنف ، وكأنه قال : الذين ينفقون ولا يمنون ولا يتأذون بالإنفاق ، وكذلك يبعد ما قاله بعضهم من أن قوله : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) لا يراد به في الآخرة ، وأن المعنى : إن حق المنفق في سبيل الله أن يطيب به نفسه ، وأن لا يعقبه المن ، وأن لا يشفق من فقر يناله من بعد ، بل يثق بكفاية الله ولا يحزن إن ناله فقر.
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) أي : ردّ جميل من المسئول ، وعفو من السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسئول من إلحاح أو سب أو تعريض بسبب ، كما يوجد في كثير من المستعطين ، وقيل : معنى و : مغفرة ، أي : نيل مغفرة من الله بسبب الرد الجميل. وقيل : ومغفرة ، أي عفو من جهة السائل ، لأنه إذا رده ردّا جميلا عذره. وقيل : قول معروف ، هو الدعاء والتأسي والترجئة بما عند الله ، وقيل : الدعاء لأخيه بظهر الغيب ، وقيل : الأمر بالمعروف خير ثوابا عند الله من صدقة يتبعها أذى. وقيل : التسبيحات والدعاء والثناء والحمد لله والمغفرة ، أي : الستر على نفسه والكف عن إظهار ما ارتكب من
__________________
(١) سورة فصلت : ٤١ / ٣٠ والأحقاف : ٤٦ / ١٣.